تعليق سريع
يعتبر نزار من كبار الشعراء العرب علي مر التاريخ الذين كان لهم من الجرأة علي كسر الثالوث المحرم في الكتابة العربية ( الجنس والسياسة والدين ) وكانت هذه الجرأة هي سبب شهرته الكبيرة لدي قطاع كبير من المتلقين جلهم من الشباب الطامح لقراءة هذا اللون من الشعر , ( أذكر أننا كنا نتهامس يهذا الشعر في الثانوية ) وقد تقبل النقاد مثل هذا الشعر للحلاوة الموسيقية والروعة التصويرية وعمق الأفكار التي صاغ بها نزار هذا الشعر , بل أن جمال موسيقي هذا الشاعر وروعته التصويرية كانت وراء تغني المطربات – في البداية – علي الأخص لقصائده وتلاهم المطربون حتي عصر كاظم الساهر الذي احتكر نزار كثيرا من أغانيه , وكان التنافس بين الشاعر المصري صالح جودت وبين نزار علي أشده – كما يقال – بسبب تهافت المطربين والمطربات علي قصائد نزار لدرجة أنه قيل أن الغيرة منه وصلت للدس عليه لدي السلطات كي يوغر صدرها عليه و يحاول كبح جماح انتشاره في مصر ولكن أشعار نزار وجدت طريقها بسهولة لدي تلك الفئة التي أشرت إليها من المتلقين .

والقصيدة السابقة ومثيلاتها في ديوان طفولة نهد تؤرخ لكسر هذا ( التابو ) في الكتابة الشعرية الحديثة وإن كان لها في التراث أصول عند امرئ القيس وعمر بن أبي ربيعة وغيرهما من الشعراء الذين كتبوا مثل هذا اللون بهذه الطريقة الصريحة , ولكن نزار يمتاز بأنه كان رشيق الموسيقي بعيدا عن تلك القصيدة التقليدية بترهلها الموسيقي وتصويرها المخاتل كما عند ابن أبي ربيعة وفجاجتها وحسيتها وشهوانيتها البدائية عند امرئ القيس , كما أنه يمتاز أيضا بخلو القصيدة من أي شاغل يشغلها في غير الاتجاه إلي الهدف المقصود , كما تجلت براعته في الدقائق التصويرية للحالة المصورة فكأننا أمام لوحة مرسومة بريشة دقيقة تعرف كيف تصور أدق ( الرتوش ) في اللوحة فمثلا في هذه القصيدة فإن بيتين مثل هذين البيتين
والحلمة الحمقاء . . ترصدني بظفر مجرم
وتغط إصبعها وتغمسها بحبر من دمي
فيهما من الجمال في التصوير ومعرفة كيفية اقناص الفكرة الكثير ذلك أنه صور كيف أنه يمد يده للحلمة فيقابل بالجرح من ظفر تلك السمراء الحاد دلالة علي تمنعها ونفورها وإن كان قد صور الحلمة إذن فقد كان الصدر عاريا أمامه ولعمري أكان عري النهد والحلمة حقيقيين أم أنهما كانا عاريين تحت الثوب الشفاف أم كان النهد والحلمة من نفورهما وتصلبهما من القوة بحيث تحديا الثوب السميك ؟ وربما كان يصور حالة عري الجسد التي لا يقابلها عري الأفكار وانطلاقها , ثم لننظر إلي تلك الاستعارة الفريدة في هذا البيت ( وتغط إصبعها وتغمسها بحبر من دمي ) فقد استعار الأصبع للحلمة وأي استعارة كأنها الحقيقة مصبوغة بالجمال أمام تصلب الحلمة وطولها وهذا الأصبع ينغمس في دمه ويكتب بالحبر فكأن كتابته الجريئة تلك ما فجرها غير هذا الجسد المتلخص في تلك الحلمة الطافحة بالإثارة فكأن البيتين يلخصان الحالة بضربة ريشة سريعة تعرف كيف ترسم ( الرتوش ) الدقيقة .
ثم لننطر إلي هذين البيتين أيضا
وغدا سيذوي النهد والشفتان منك . . فأقدمي
وتفكري بمصير نهدك . . بعد موت الموسم
ونري تلك النغمة التحريضية التي بثها بطريقة رائعة وإن كانت القصيدة كلها تحريضا علي الفكاك من هذا( التابو ) ولننظر إلي فعل الأمر أقدمي كنتيجة منطقية بسيطة للجملة قبلها ولا ندم فالجملة التي بعدها ترشح لذلك بطريقة منطقية أيضا فالموت والأفول مصير تلك الحياة فلا بد أن نعب منها بنصيب وافر كما عند عمر الخيام
ولننظر لجمال التصوير في تعبيري مصير نهدك وموت الموسم وتقدم فعل تفكري لكي نلحظ دقة الأداء اللغوي الموجه لفعل التحريض الذي لا يحرض بطريقة تعسفية بل بأدلة ومسوغات فهذه ضربة ريشة أخري تعرف كيف ترسم ( الرتوش ) بطريقة رائعة

قصيدة تصويرية رائعة من طراز السهل الممتنع , عيشوا في جمال هذا النهد وحلاوة تلك الحلمة وروعة صاحبتهما وقدرة كاتبهما :devil:

كوكو