العرب الشيعة بين عروبتهم وإيران
اليوم وأنا جالس أنظر للمنطقة وعيني على إيران مدققاً بالمشروع الإيراني في المنطقة وأبعاده أتساءل عن مدى خطورته تحضرني أسئلة عديدة تحتاج إلى أجوبة دقيقة ومتأنية .
إن ما يجب الاتفاق عليه أولاً أن هناك تمدد إيراني في المنطقة وأنا أرفض أن أسميه مداً شيعياً لأننا نحجم المسألة بين سنة وشيعة وبذلك نقع في فخ الطريقة السعودية في رؤية الأمور .
وأرفض أيضاً أن أسميه مداً عبر الشيعة لأننا بذلك ننزع عن الشيعة في الدول العربية صفة العروبة وهذا أيضاً خطأ كبير من مخلفات التفكير السعودي ...
من المؤكد أن تسمية هذا التمدد بالتشيع من أسوأ التسميات لأنها لا تفصل العرب الشيعة عن محيطهم فسحب بل وتخلق عداوات مذهبية مع المذاهب الإسلامية الأخرى (السنة خصوصاً) .
الأصح أن نسميه تمدد إيراني باستخدام الأدوات المذهبية الشيعية ... قد تبدو التسمية للوهلة الأولى غير مختلفة عما سبق لكن لو دققنا سنرى أن هناك فرق وفرق كبير ....
إن من ينظر للمنطقة من العراق إلى لبنان وحتى غزة سيرى حضوراً واضحاً لإيران في المنطقة ... فمن أين أتى هذا الحضور وكيف تشكل بهذه القوة في الفترة الأخيرة ومن سببه الحقيقي ...
قبل أن أشرح عن هذا التمدد وليس المد (ولا يخفى عليكم الفرق بين الكلمتين) يجب أن أمر مرور سريع على العلاقة الاستراتيجية بين سوريا وإيران عبر أكثر من ثلاثين عام لنلاحظ عدة ملاحظات سريعة ...
1- لم يحصل أبداً خلال مدة هذه العلاقة أن حصل تشيع في سوريا بسبب هذه العلاقة لا من قبل ولا في المدة الأخيرة .
2- لم يحصل أن تحول النظام في سوريا إلى نظام ديني نتيجة علاقته مع إيران .
3- خلال كل السنوات السابقة وقد تم الحديث كثيراً من قبل المتذاكين المستأجرين من قبل السعودية أن سوريا أصبحت ورقة بيد إيران بعد أن كانت إيران ورقة بيد سوريا ، كنت أقول خلال مدة العلاقة سابقاً ولاحقاً كانت ولا زالت سوريا المستفيد الأكبر من إيران على كافة الأصعدة سياسياً وغير سياسياً ، فإيران تقول ما تتحاشى سوريا قوله كي لا يشكل عليها ضغطاً سياسياً مثل الهجوم الإعلامي على إسرائيل وهناك من يتعهد إزعاج إسرائيل بالوكالة عن سوريا ، طبعاً هناك أمور كثيرة تستفيدها سوريا لا مجال لذكرها هنا .
مما سبق ينتج لدينا استنتاجات مهمة ومهمة للغاية :
- إن أي دولة علمانية تقيم علاقة مع إيران ليس عليها خطر من تمدد إيراني عبر المذهب الشيعي ولدينا مثال سوريا .
- إن أي دولة علمانية تستطيع تجيير علاقاتها مع إيران لتستفيد منها كما تفعل كل الدول ... وإيران ليست حالة فريدة في العلاقات الدولية ومهما أشيع عن تمددها فهو تمدد محكوم بالمحدودية كأي دولة في العالم .
العراق :
كان قرار الولايات المتحدة في عام 2003 بغزو العراق وقد أعدت العدة وجهزت نفسها لمواجهة مع العالم أجمع الذي كان يعارضها عدا بريطانيا وبعض الدول الهامشية ...
وربما من المفيد أن نذكر من ينسى أو يريد التناسي بأن من وقف جدياً ضد الغزو الأمريكي وقتها تحالف فرنسي ألماني روسي سوري ... نعم لا تستغربوا أن سوريا كانت ضمن هذا التحالف على ضآلة حجمها ، فقد كانت عضو مؤقت عن المجموعة العربية في مجلس الأمن حينذاك وحاولت المستحيل (رغم العداوة التاريخية بين جناحي البعث في كل من الدولتين) ... لأنها كانت تعرف مفاعيل هذا الغزو من تفكك مركزية الدولة العراقية وقيام حرب أهلية و خضوع العراق لتدخلات خارجية لا تبدأ من أمريكا ولا تمر بإيران ولا تنتهي عند تركيا ولا تسلم من المال السعودي فضلاً عن تخريب إسرائيلي في الداخل العراقي ...
تعالوا لنتذكر مواقف الدول في تلك الفترة
سوريا : معارضة شديدة في مجلس الأمن ووصلت الأمور إلى ترك مظاهرة مليونية في سوريا تتجه إلى السفارة الأمريكية وتحطمها من الخارج وبعض الداخل في رسالة واضحة وصريحة أن سوريا ستمضي إلى النهاية في رفض الغزو الأمريكي .
السعودية ومصر اكتفتا بمواقف سلبية من الغزو لا تنم عن معارضة فعلية ولم يكن هناك معارضة حقيقية وربما ما وصل بنا إلى هذه النتيجة هو العلاقة المتميزة للسعودية ومصر مع أمريكا بعد الغزو في حين ساءت علاقة سوريا مع أمريكا قبل الغزو وبعد الغزو ووصلت إلى الحضيض .
إيران العدو التاريخي للعراق ... اكتفت بالحياد السلبي تجاه العملية ... أي أنها كانت تتمنى سقوط عدوها التاريخي (النظام العراقي الممثل بصدام حسين) وتتحضر لذلك دون التورط جدياً بدعم مباشر للغزو ..
ما يلفت الانتباه أن سوريا حليف إيران الاستراتيجي وقفت ضد الغزو بشراسة ... والسعودية ومصر أعداء إيران المفترضين وقفوا موقف مشابه لموقف إيران إن لم نقل أكثر في بعض التفاصيل كتوفير البترول لحاملات الطائرات الأمريكية مثلاً ...
اليوم جميعنا يسمع الولولة والعويل والصراخ السعودي والمصري من سيطرة إيرانية على العراق وكأن اليد السعودية خفية وغير مشاهدة في المشهد العراقي فإذا كانت إيران لها حلفائها في الجنوب العراقي فهل المال السعودي بعيد عن هذه الحرب الطائفية والمذهبية بدعم الإرهابيين وهل كان المال السعودي بعيداً عن مثل هذه الحروب عبر التاريخ ...؟!
من أفغانستان ومن منكم لا يعرف دعمها المطلق لصنيعة الــ CIA القاعدة إلى الإخوان المسلمين في سوريا إلى الجماعات الإسلامية المستحدثة في لبنان بقيادة تيار المستقبل (فتح الإسلام) ...
المهم كنت أتحدث عن الولولة والعويل السعودي في مواجهة إيران واللعب على الورقة الطائفية ... لمواجهة التمدد الإيراني وكل القصة أن إيران لديها إستراتيجية في المنطقة على عكس السعودية التي تتبع سياسة القبيلة ... فكان أن فشلت السعودية ومن خلفها مصر في مواجهة إيران لأن الأخيرة تعرف ما تريد وماذا تفعل .. فليس العتب على إيران التي تريد التمدد وشغل الفراغ بل العتب على من لا يعرف أن يستوعب أن هناك فراغ وشغله على الساحة العربية العراقية يحتاج إلى أكثر من الفلوس والتمترس خلف طائفة السنة ... فهذه الطريقة لا تصنع استراتيجيات دول ...!!
إن العرب الشيعة حقيقة موجودة في العراق فهل يتم التعامل معهم على أنهم عملاء لإيران أم يتم احتضانهم وإفهامهم بأن محيطهم العربي لا يرفضهم بسبب مذهبهم .
حتى أن القيادة المصرية مؤخراً ادعت على حزب الله بأنه يريد نشر التشيع في مصر ...!!!
والسؤال كيف أصبح النظام المصري حامي السنة ... ألم تكن مصر في يوم من الأيام فاطمية .. ألم تتغير العقائد في مصر (كما كل الدول) وفقاً لعقائد الملوك ...؟!
والسؤال الأكبر هل تشيع بعض العرب (هذا لو حصل فعلاً) يجعل منهم خونة العروبة ...؟!
هل العروبة تتجسد في السنة فقط ... ؟!
لبنان
من هنا لو نظرنا بعين المدقق والفاحص للسياسة السورية في لبنان على المقلب الآخر نرى ذلك التلاحم العضوي مع حزب الله ... فبينما يدين حزب الله بالفقه المذهبي الشيعي لولاية الفقيه (والتي ستدخله الجنة من بابها الواسع) نراه حليف استراتيجي قوي لسوريا لأنه يعرف أن سوريا تعامله هو وجمهوره على أنهم عرب وهذه الحقيقة ... فنرى التوازن والعقلانية في مواقف الحزب على مستوى التفاصيل اللبنانية الدقيقة والتي لا يعرفها أكثر العرب والذين في الغالب ثقافتهم مستمدة من وسائل الإعلام السعودية ومأجوريها ... فلو نظرنا للمشهد الطائفي نفسه لوجدنا أن حزب الله لا يحاول (كما يصور لنا من الإعلام) السيطرة مذهبياً او دينياً على لبنان ولا ينشر التشيع في لبنان وهو يعرف أن هذا الأمر مستحيل فكيف ينشر التشيع في مصر فضلاً عن ذلك ..؟!
حتى على الصعيد الشيعي الداخلي في لبنان يعرف حزب الله أن لديه حصة محدودة سياسياً يتقاسمها مع حركة أمل حليف سوريا وهو لا يقترب من هذه الحصة مع أنه قادر على التغيير بنسبتها لو دخل في حرب انتخابية مع نبيه بري ... وهذا إن دل على شيء يدل على أن الحزب يحسب الحسابات بدقة متناهية ويعرف أين هي حدوده تماماً على عكس ما يصوره به الإعلام السعودي وعلى كل حال لا نستطيع لوم المواطن العربي على ثقافته المحدودة والتي يستمدها من الإعلام المأجور ..
ويبقى السؤال الأصعب هل السياسة السعودية ومن خلفها السياسة المصرية (لأنها ملحقة بالسياسة السعودية ) قادرة على جمع العرب بطريقتها الطائفية والمذهبية ... حتى لبنان كادت السعودية أن تودي باستقراره الأمني عبر الشحن الطائفي المستمر بتصوير الشيعة عملاء لإيران وكأن الطوائف الأخرى بريئة ولا تبعية لها للآخرين ...!!
واليوم أصبح من الواضح تماماً أننا بحاجة إلى سياسة عربية لا تنظر للعربي على أساس طائفته أو دينه بل على أساس عروبته وتأسيس لقومية عربية جامعة مع محاولة دمج القوميات والأقليات غير العربية بالعملية السياسية لدولها بحيث لا مشكلة أن تشارك هذه الأقليات في الحكم تحت سقف الحقوق والواجبات ...
وأي اعتبار يؤسس على أساس الدين أو المذهب أو الطائفة أو حتى العرق (كون العروبة تجاوزت مرحلة العرق إلى مقومات أخرى لا مجال لذكرها الآن ) هو اعتبار مدمر ومفتت ...
وغداً وإن غداً لناظره قريب ... هل سيقرأ العرب (والعرب لا يقرؤون ) أن مشاكل المنطقة العربية تتلخص في فكر أصحاب الأموال الذين لا استراتيجيات لهم ولا يعرفون معنى الإستراتيجية يدفعون أموالهم في كل مكان وكل طريقة إلا خدمة القضايا العربية ... من أفغانستان إلى العراق إلى لبنان إلى كباريهات الغرب خط ممتد ...!!
شكراً للجميع