Array
الكريم /بهجت(f)
.......................
ثمة أمر آخر أختلف معك سيدي فيه ، فالصوفي الحق يفرّ حقًّا إلى الله بالله ، لكنه لا يفرّ من الخلق أبدًا ، هو يهب الجسد للأبدان التي يعيش بينها ، يطارحهم يتقاطع معهم يعلم يربي يتعلم ، يخرج من بينهم مبدعًا متعاليًا على عكارتهم كما أشرتم ، كما يتعالى على ثقافتهم لكنه لا يرفضها ، إذ تظل رؤيا ، وما دام البشر أنواعا ستظل هناك ألوانا تعبر عنهم ، ورب كلمة تخرج من فم لم تصقله التجاريب أو الثقافة تخلع الصوفي خلعًا وتشق قلبه ، وتضعه أمام مرآة نفسه ليعرف قدرها إن اغتر .. وعليه فلا تخطئ أحدًا ولا تميل إلى تخطئته ، ولعل قول الحلاج المشهور يعبر بوضوح عن ذلك ، فضلا عن قول الرومي سالف الذكر .

ظنّي أن الشاعر أو نوع من الشاعر ، متخلقٌ من رحم الصوفي ، لأن عالم الأخير أرحب ، خاصة لو تحققت كينونته وعلا .

تقديري الجم ، ومتابع لكل ما تتفضل بكتابته هنا .
[/quote]
الأخ الكريم يجعله عامر .:97:
لأن التجربة الصوفية ذاتية متعددة بتعدد المحبين ، فهي منطلقة لا يحدها أفق ، ولا يحكمها قانون بعينه ، فقط نلاحقها بالملاحظة و نخضعها للكم ،و هي الأبية بطبيعتها على الملاحظة و القياس ،و لكن ماحيلة الجاهل الذي يتعالم على العلماء سوى الرصد و القياس ؟.
إن المريد في بداية المكابدة يميل إلى العزلة و الإنقطاع عن الناس ، فهو يخشاهم على نفسه بقدر ما يخشى عليهم من نفسه الأمارة بالسوء ،وهو في ذلك أشبه بالشيخ الذي طوى ثيابه عن جليسه ، فقال له الأخير : " هل تخشى على طهر ثيابك من نجاستي ؟، فقال له الشيخ بل أخشى على طهرك من نجاسة ثيابي "، وهو كما يقول الجنيد أيضا :" من أراد أن يسلم له دينه ،و يستريح بدنه و قلبه ، فليعتزل الناس ، فإن هذا زمان وحشة و العاقل من اختار فيه الوحدة "، و العزلة عند الصوفي موقف من مواقف الإغتراب الإجتماعي ، نتيجة فساد عم الكون تجزع له نفسه المرهفة وروحة المشرقة ، الخلوة إذا مرحلة هامة للصوفي ، يقطع بها شواغل القلب بمن سوى الله ، فهي بالنسبة له مرحلة بناء و تكوين و استعداد للخروج الوافر الذي يستطيع به مواجهة الناس و الحياة ، فالعزلة إذا في جوهرها اعتزال للخصال المذمومة ، هي لتبديل الصفات و ليس للتنائي عن الأوطان ، أماعن الصوفي الذي تجاوز تلك المرحلة الأولى و اشتد عوده ، فيحوذ درجة عالية من الكمال الروحي لا يلائمها سلوك الخلوة و العزلة و الفرار .
إن التحليل النقدي ( السيسيولوجي ) للتصوف الإسلامي يوضح الإتجاه بدرجة عالية إلى ظاهرة ( الاستسرار ) أي تكوين الأسر الروحية ، و نزوع حاد إلى تأسيس الجماعات الروحية المغلقة ، هذه الجماعات كانت دائما تمارس الإغتراب الإجتماعي و الديني و السياسي ، وهي دائما تعتبر الخلاص شأنا فرديا و ليس خلال ثورة سياسية أو اجتماعية ، حتى لو كانت تقوم على خطاب إسلامي .
أو هكذا أرى الأمور بعقل يبحر بليل حوله الظلمات طباقا .