Array

عزيزي / عاشق الكلمة
في تعليقي السابق أشرت بسرعة إلي تجربة نزار في الكتابة وقلت أنها تجربة تعتمد أسلوبا جديدا في الكتابة الحديثة ويمكن أن أتوسع قليلا الآن رغم أن كتبي ليست في متناولي – أي أني أنقل من الذاكرة أو عن طريق وسيط متاح – فالدكتور صلاح فضل في كتابه أساليب الشعرية العربية نقلا عن أمجد ريان يقرر " أن وظيفة الفن .... هي الملامسة فيؤكد بذلك جانبا حسيا أساسيا فلكي يكون اللون لونا لابد أن يلامس العيون ولكي يكون اللحن لحنا يجب أن يلامس الآذان ونزار قباني يجعل الشعر لمسا بالكلمات فتتحول إلي أصابع وتختار مناطق الجسد القابلة للدغدغة والاستثارة بكل ما لدي اللمس من مباشرة وحرارة وفعل وبكل ما لدي النزوع الحسي من حميمية , ويناقش الناقد كيف أن الجوانب الحسية كانت تعبر عن نزعة جوهرانية في رؤية الشعر وكانت من أبرز تجليات ثورة التخييل الرومانسي .... فهي إذن من مظاهر التحديث في نظرية الشعر العالمي التقطته الرومانسية وعبرت عنه بقوة في مدرسة الشعر الحر ,ويعتقد الناقد أن الحسية التي التمسها نزار وحققها في شعره كانت يقظة أخري موازية ليقظة الوجدان الرومانسي ومتممة لها وكانت بعثا للاعتراف الواقعي بالجسد الإنساني ودعوة للحد من حالة التغييب وتأكيدا لاحترام مطالب الإنسان والاعتراف بمشروعيتها "
[/quote]

عزيزى كوكو :

مما لاشك فيه ان نزار قبانى عبقريه شعريه قلما تتكرر , وهو احد المبدعين المتمكنين من ادواتهم بحيث انه يجيد الرسم والتصوير والتجسيد بالكلمات , فعندما تقرأ له فلابد ان تتحول الكلمات فى خيالك الى الصوره اللتى اراد الكاتب ان يوصلها لك , فعندما تقرأ مثلا :

نهداك نبعا لذه حمراء تشعل لى دمى
صنمان عاجيان قد ماجا ببحر مضرم

فلابد ان تتصور هذان النهدان بارزان , متحجران , املسان , ناصعى البياض , ولك ان تتخيل ما تفعله نهود مثل تلك من اثاره للشهوه واللتى عبر عنها بفوران الدم , وقد شبه نفسه فى شهوته بالبحر الهاج المضطرم والذى ماجت به تلك النهود

هى صوره بديعه لا نختلف حول جمالها وروعتها , ولا نختلف ايضا حول عبقريه من رسمها وجسدها .

Array

سوف أتوقف هنا لأتساءل أليست القصيدة السابقة تطبيقا لتلك الدعوة ؟ أن تكون الكتابة هي نفس الفعل , أي أن تكون الكتابة ممارسة لما تدعو إليه أن تكون تحقيقا للفكرة وبذلك تكون الفجوة بين المجاز والحقيقة منعدمة . أن البيت الأخير يوضح ذلك

إني أفكر عادةً بأصابعي

[/quote]

اعتقد ان هذا تحميل للمعنى اكثر مما يحتمل , فلا يمكن تفسير البيت الاخير الا فى اطار القصيده نفسها وما تحمله من معانى .

Array

ما تفضلت به واعتبرته انتقاصا لقيمة المرأة في شعر نزار ناقشه الناقد أيضا ولكن بطريقة أخري فذكر " ستظل ملاحظة النماذج بين لغة الشعر ولغة الجسد عند نزار قباني ملمحا أسلوبيا مميزا وهذا يعطي الفرصة لكي نصف شعريته الحسية باتكائها المسرف علي المخيال الجسدي , مما يكاد يفضي عنده إلي التطابق بين حدود الفرد وحدود الجسد ( ويؤدي في ظل التصورات العرفية الشائعة في الثقافة العربية إلي الوقوع في نوع من الاستلاب والتشيؤ وإغفال بقية المظاهر الإنسانية للشخصية لقاء هذا التركيز علي جانب واحد , بما يجعل مفهوم التحرر عنده منقوصا غير مندرج في منظومة كلية شاملة ) "

أن التصورات العرفية الشائعة كما دعاها الناقد رفضت تلك الطريقة في تحريك المرأة وطلبت منظومة كلية شاملة , والحقيقة أن نزارا وهو يحرك جسد المرأة بهذه الطريقة الحسية العنيفة إنما يقرر ببساطة أن حرية المرأة تبدأ حينما تملك حرية التصرف بجسدها - وابسطها إشباع غريزته كاملة دون بتر أو تسلط - كفعل أولي وحرياتها الأخري نتيجة لهذه الحرية الأولي وبهذا فهو يفتح الطريق أمامها وأمام العقل العربي لكي يردم الفجوة بين ما نفكر فيه وبين ما نمارسه ,والقصيدة السابقة إن عدت انتقاصا فللرجل وليس للمرأة إذ أن فعل الرجل مع المرأة في اللقاء الحسي حركها للتساؤل - وهو ما يرمي إليه نزار – وهذا الحراك فكري نتيجة الحراك الجسدي والحرية الفكرية تبدأ من طرح الأسئلة ,وبذا فإن الانتقاص ليس موجودا سواء للرجل أو المرأة , الرجل بطريقته الحسية كان مثيرا للتساؤل لدي المرأة والمرأة بفعل الرجل فيها تحركت نحو حريتها .
ومن الصعب أن نفهم كاتبا في ضوء عمل واحد ولكن نأخذ مجموع أعماله في الاعتبار حين نقرر فكرة ما فيجب أن نتناولها في ميلادها وتطورها علي مدي مجموع أعماله ولذلك قلت وأكرر أنني ربما أعود للشريط ولكن تكون كتبي الحبيسة في متناولي فصبرا
كوكو
[/quote]

بدايه يجب ان نتفق اولا على ان كل قصيده هى عمل فنى مستقل بذاته يعبر عن فكره او مذهب او مبدأ او موقف, ولا علاقه لها بعمل اخر لنفس الكاتب الا من خلال طريقه الطرح والعرض والاسلوب , فيمكنك من خلال ذلك التعرف على الكاتب دون قراءه اسمه على العمل .

فى قصيده مثل التفكير بالاصابع ولو حللناها منذ البدايه فنرى انه استهلها بجواب على تساؤل " من انت " او " من تكون " فيبدأ قصيدته ب " ماذا يهمك من اكون " وكأن المراه تسلم جسدها لاى لعابر سبيل دون ان تدرى من هو , ويؤكد هذا المعنى بقوله " ما دمت احرث كالحصان على السرير الواسع , ما دمت ازرع تحت جلدك الف طفل رائع , ما دمت اسكب فى خليجك رغوتى وزوابعى " وبالطبع فكل الرجال قادرين على الاتيان بهذا الفعل بالمرأه .

ماشأن افكارى ؟ دعيها جانبا
فانى افكر عاده باصابعى

طبعا فى سياق القصيده لا يمكن اعتبار هذا البيت ولا يمكن فهمه الا فى سياق نفس المعنى , وهو ان المرأه لا يشغلها كثيرا افكار صاحبها ولا من هو بقدر ما يشغلها قدرته على الحرث وسكب الزوابع والرغوات ,لذلك فان الاصابع وكما تعلم هى عامل مهم فى اثاره المرأه واشباع غريزتها كامله .

كل الرجال تحرث على السرير , كلها تزرع الاطفال , وكلها تسكب الزوابع والرغوات , ولم يكن فى فعل الرجل غرابه تدعو المرأه للتساؤل كما تفضلت , فالقصيده لم تذكر فعلا غريبا يثير المرأه ويجعلها تتساءل من يكون صاحب هذا الفعل الغريب ؟ والقصيده كما ترى مقتضبه ولم توضح لنا اين هى حريه المرأه فى تساؤلها الذى لم يذكره " من انت او من تكون "؟

هناك انتقاص من قدر المراه بالتأكيد , واذا كنت تراه انتقاص للرجل فهو انتقاص لنزار نفسه , فليس كل الرجال يرون المرأه كما رأها فى تلك القصيده ,والمرأه لا تتحرك فكريا كنتيجه للحراك الجسدى , فأى فكر يمكن ان تعتنقه المرأه نتيجه لهذا الحراك؟ كما انها لا تحتاج الى هذا القدر من الاباحيه والكلمات الجنسيه الفجه كى تتحرك فكريا .

وبالطبع حريه المرأه لا تبدأ حينما تملك حريه التصرف بجسدها , فالرجل نفسه لا يملك حريه التصرف بجسده , لان هناك التزامات اجتماعيه اخلاقيه تمنع الطرفان من حريه التصرف بالجسد , ولا يمكن ابدا اعتبار الحريه الجنسيه هى اول درجات سلم تحرير المرأه , فهذا خيال مريض وسقيم .

كنت اقول فى احد الموضوعات ان حسن استغلال الفنون يعاون معاونه قيمه فى تربيه اى امه واعدادها كافضل ما يكون ,فأذا قرأنا لاحمد شوقى مثلا ان الام مدرسه اذا اعددتها اعددت شعبا طيب الاعراق , فستجد كيف يمكن تسخير الفن ليصبح رساله اخلاقيه تحث على تربيه المرأه واعدادها منذ طفولتها تمهيدا لاعداد شعوب وامم قويه , لا لتحرضها على فك الغلاله والكشف عن مفاتنها واثدائها للثم الفم مثلها فى ذلك مثل العاهرات .

فى ظل مجموعه قصائد نزار عن المرأه لا استطيع الا ان ارى ان هاتان القصيدتان ماهما الا زله , او سقطه للشاعر , او انهما يعبران عن مرحله عمريه معينه او موقف ما .


خالص تحياتى .

(f)