لبنان أولا.. والجولان ثانيا
هدى الحسيني
كان فألا حسنا ان يوم الاثنين الماضي هو آخر ايام شهر شباط (فبراير) وان شهر شباط هذه السنة كان 28 يوما، بمعنى انه في استطاعة اللبنانيين الاحتفال بهذه الذكرى كل سنة وليس كل اربع سنوات مرة لو كان آخر يوم من ايام شهر شباط (فبراير) يحمل الرقم 29.
لكن، اسقاط الحكومة بهذه الطريقة الحضارية يجب الا ينسي اللبنانيين والعالم ان هناك جريمة فظيعة وقعت في الرابع عشر من شهر شباط (فبراير) ويجب ان يستمر التحقيق للكشف عن قتلة رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وآخرين.
لأول مرة منذ الاستقلال اللبناني ينجح اللبنانيون في ابراز توافقهم الوطني غير عابئين بالتهديدات واتهامهم بأنهم «مجتمع قبلي، مقسم بين طوائف (...) وتحالفاتهم الآن بسبب الحملة الانتخابية» (الرئيس السوري بشار الأسد في حديثه الى صحيفة لاريبوبليكا الايطالية).
صار وضع لبنان الآن مرتبطا باتفاق اميركي ـ اوروبي، وبالنزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي ومرتبطا ايضا بالوضع في العراق، لذلك مطلوب من المعارضة اللبنانية العمل على المساهمة في تشكيل حكومة انتقالية تشرف على انتخابات شفافة ونزيهة ولا تمارس ترهيب الناس عبر اجهزة أمنية لبنانية وسورية، على ان يبقى الهدف اخراج القوات والاستخبارات السورية وتحرير لبنان.
عندما اجتمع الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش الاسبوع الماضي في بروكسل مع القادة الاوروبيين وبالذات مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الالماني غيرهارد شرودر، كان العرض الاوروبي الموافقة على مساعدة الاميركيين في العراق، مقابل ان تقف واشنطن مع اوروبا في قضيتي فلسطين ولبنان، اي اخراج السوريين منه. واتفق الاميركيون والاوروبيون على ممارسة الضغط لاحقا على رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون للتفاوض بجدية مع القيادة الفلسطينية الجديدة برئاسة محمود عباس، خصوصا ان الاشخاص والاوضاع التي كان يستغلها شارون كأعذار لعدم التفاوض زالت: صدام حسين، ياسر عرفات والوجود العسكري والأمني السوري في لبنان.
هذا التقارب يضع اميركا واوروبا في موقف قوي لاجبار شارون على التفاوض بجدية، وتضرب اميركا في الوقت نفسه عصفورين بحجر. وحسب مصدر اميركي مطلع، تنوي واشنطن ابلاغ الدول العربية، قبل قمة الجزائر، التالي: «اذا اردتم ان نتعاطى بقوة لحل القضية الفلسطينية، عليكم مساعدتنا في لبنان ومساعدة محمود عباس».
اذا نجحت الاستراتيجية الاميركية هذه، عندها على السوريين تغيير تصرفاتهم ـ المطروح الآن تغيير تصرفات النظام السوري ـ او سيصبحون محاصرين ومحصورين من قبل: الاميركيين في العراق، والاردن، وتركيا، واسرائيل ويمكن تحريك الورقة الكردية داخل سوريا.
من جهة اخرى، بدأ النفوذ السوري في لبنان يتناقص، واستراتيجيتهم في تخويف اللبنانيين ضعفت، وقادة المعارضة اللبنانية وبالذات وليد جنبلاط يتحدثون في كل شيء علنا لمعرفتهم ان النفوذ السوري ضعف، لذلك هناك حاجة الى قيادة لبنانية تجمع كل التيارات تحت مظلة واحدة، اذ رغم اشارات الضعف تستطيع الاجهزة السورية لعب عدة اوراق: ورقة الشيعة (حزب الله) وان كان الامر مشكوكا به، وورقة الموالين لها من السنة والموارنة، لهذا اذا برزت قيادة لبنانية معتدلة لا تهدد احدا، يتجنب لبنان مصير العراق: انقسام شيعي ـ سني، كما ان على المعارضة اللبنانية التصرف بمسؤولية فلا تخلق وضعا لبنانيا صار يطلق عليه «وضع الجلبي» (احمد الجلبي)، الذي ساهم في تقسيم العراق نسبيا وحل الجيش لابعاد السنة.
ان دور حزب الله ووضعه حساسان، لذلك على المعارضة اللبنانية ان تجعل حزب الله مطمئنا وان مصير اتباعه لن يكون مثل مصير البعثيين في العراق. ويقول مصدر لبناني، ان هناك تفهما لدى المعارضة لارتباطات حزب الله واسبابها، فهم كشيعة كانوا يشعرون بالحرمان في ظل النظام اللبناني السابق، كما ان بقية الدول العربية لم تكن تنظر الى الشيعة نظرة اطمئنان. لذلك تطلعوا الى ايران وثورتها، وكان حظهم فائقا اذ جاءهم رئيس لبناني (اميل لحود) واعتبرهم عماد الأمن في لبنان على حساب الجيش. ويضيف محدثي: يدرك حزب الله الآن، ان لعبة امم تدور حاليا، وان منقذه الوحيد هو أن يكشف عن لبنانيته ويكتفي بها.
خطأ الحسابات السورية لم ينعكس على وضعها في لبنان فقط، اذ تسود الدول الخليجية موجة استياء، خصوصا لدى الخليجيين الذين استثمروا في لبنان لثقتهم برفيق الحريري، هؤلاء صارت لديهم ردة فعل ضد السوريين لأنهم لا يريدون ان يعود لبنان الى الماضي، اي الى حرب الآخرين تدور فوق اراضيه، وكما قال لي المصدر الاميركي، [SIZE=5]ان سوريا فقدت في هذه المرحلة الحرب الاعلامية عربيا وعالميا، خصوصا ان اصرارهم على التمديد للرئيس اللبناني اميل لحود هو الذي وحد اميركا وفرنسا.
«لقد كنا نعتقد ان فرنسا واميركا لن تسمحا بالتمديد للحود، لكن السوريين قرروا ارتكاب الخطأ فصار لبنان، تحت الوصاية الدولية رغب العرب بذلك ام لم يرغبوا»، كما يقول مصدر عربي مسؤول، ويضيف انه اذا لم تنسحب سوريا من لبنان، «فإن الاميركيين لن يرعوا مفاوضات بينها وبين اسرائيل للانسحاب من الجولان، وسيكون الرد الاميركي: اذا كنتم تريدون الجولان، انسحبوا من لبنان». لقد طلب بوش منهم الخروج وتطبيق القرار 1559، فاذا لم يفعلوا، فلن يعود الجولان، اما في ما يتعلق بتجريد حزب الله من سلاحه، كما جاء في القرار، فإن الاميركيين يمكن ان يتفاوضوا لاحقا حول هذه المسألة، [SIZE=4]لأن الهدف الاساسي هو اخراج السوريين من لبنان، فاذا خرجوا يمكن حل مشكلة حزب الله. ويلفت محدثي الى ان الرسالة الاميركية الى النظام السوري تقترح اختياره واحدا من أمرين: اما ان يبقى كنظام ويخرج من لبنان او السير على خطى نظام صدام حسين. ويشير الى ان النظام الروماني لم يحتج الى دبابات عسكرية وغارات طيران، فالذي اطاح بالرئيس الروماني نيكولاي تشاوشيسكو، كان مقتل كاهن صغير في قرية نائية في رومانيا، هي تيموشوارا، وليس مستبعدا ان تكون هناك تيموشوارا ثانية سورية واخرى ايرانية!
هناك من يقول ان صعوبة الانسحاب السوري من لبنان لا تعود لاسباب عسكرية، بل لاسباب مالية ضخمة جدا، فقد ظل لبنان، بطرق مختلفة يضخ اطنانا من المال على سوريا، لهذا كان مكسبا في يدها، لكن، بعد كل التطورات الاخيرة، صار لبنان عبئا على السوريين وسيسبب لهم مشاكل مع كل العالم والمراهنة على تدميره لن تنجح، ولن يستطيع العرب تقديم المساعدة لهم او المظلة. ويقول لي مسؤول عربي: ان سوريا ستفعل المستحيل للبقاء في البقاع، «اذ ان الثروة فيه».
للفت النظر فقط، لمن يهمه الامر: ان الرئيس بوش لا يحتاج الى التركيز على انتخابه من جديد، وهو يريد ان يقول تاريخه لاحقا: لقد اضعف المتطرفين، ثم ان لديه قناعة جديدة بأن استقرار المنطقة يتأثر بالقضية الفلسطينية وهو اصغى لمسؤول اميركي سابق ابلغه بعد زيارة المنطقة، ان حل القضية الفلسطينية يؤدي الى حل 90 في المائة من المشاكل.
اذا وضع النظام السوري في الزاوية، سينهار نفوذه في لبنان ويخف تأثيره على العراق ويبقى السؤال الكبير: ماذا يمكن لايران ان تفعل؟ اذا شعرت ايران وسوريا ايضا ان بامكانهما هز الاوضاع في العراق يمكن ان تفعلا الشيء نفسه في لبنان، خصوصا ان لا قوات اميركية اضافية للدخول الى سوريا وايران، لكن الاخبار الاخيرة تقول ان واشنطن تفكر في الانضمام الى اوروبا في التفاوض مع ايران حول برنامجها النووي، وكل ما تتطلع اليه طهران هو الجلوس حول طاولة تضم وفدا اميركيا، كما الحال مع كوريا الشمالية. اذا حصل هذا، يبقى على زعماء المعارضة اللبنانية جعل حزب الله يشعر انه ليس مهددا، وان يركزوا على انسحاب سوري مشرف وهادئ من لبنان.