«الطريق الى مكة»: رحلة بعيدة من النمطية
الاربعاء, 13 مايو 2009

أمستردام - محمد موسى
ينتمي البرنامج التلفزيوني البلجيكي «الطريق الى مكة»، الى سلسلة البرامج التي انتجها بعض التلفزيونات الاوروبية الرسمية بعد عام 2001 في محاولة لتقديم «الوجه» الحقيقي للمجتمعات العربية المسلمة، بعيداً من الصورة النمطية الجاهزة التي يقدمها الاعلام الاجنبي والعربي احياناً، وتُظهر العرب، قومية غاضبة في عداء مستمر مع الجميع، ما يعلل تفجيرات ابراج التجارة العالمية في نيويورك، وكل الارهاب الذي اعقب تلك العملية الارهابية.

هذه البرامج، والتي أنتج بعضها تلفزيونات عريقة مثل «بي بي سي» البريطانية، وقنوات فرنسية وهولندية وبلجيكية، تنجح كثيراً في التخلص من التقديم التقليدي لصور الحياة العربية، إذ يقدم بعضها الظروف والمؤثرات التي تقف خلف ظواهر اجتماعية معينة. ولا تقتنع هذه البرامج بسهولة بالأجوبة الجاهزة المبسطة ايضاً، والتي يقف عندها احياناً إعلام متكاسل لا يريد ان يبذل اية جهود اضافية للذهاب الى مناطق ابعد من تلك التي يتناولها الإعلام الشعبي المسيطر.

«الطريق الى مكة» الذي انتجته القناة البلجيكية الاولى العام الماضي، وتعيد قناة «الحوار» الهولندية عرضه هذه الايام، هو طريق غير تقليدية للسفر الى «مكة»، فالرحلة تبدأ اولاً من بلجيكيا ذاتها، بين المسلمين والعرب الذين يعيشون هناك لتسلط الضوء على حياتهم اليومية التي عقّدها الارهاب والتغطيات الاعلامية المكثفة لمواضيع الاسلام والعالم العربي. بعدها يحطّ البرنامج في مصر والاردن ولبنان وتركيا وايران وقطر والمملكة العربية السعودية في محاولة منه لإعطاء صورة واقعية عن الحياة اليومية في هذه البلدان، وكيف ان معظم الناس هناك، تعاني كثيراً من تنامي نفوذ الحركات الأصولية المتطرفة، أو من ظروف اجتماعية معقدة، بعضها انتجته السياسية او التاريخ المعقد والدامي للمنطقة. في الحلقة التي صورت في مصر، نقلت الكاميرا البلجيكية طقوس شهر رمضان في القاهرة، بوجهها الانساني وبعيداً من الصورة المتجهمة للطقوس الدينية التي يظهرها الإعلام احياناً. في مصر ايضاً، تذهب كاميرا البرنامج الى احد الاديرة المسيحية في الصحراء لتحاور مصريين عاديين فضلوا الابتعاد عن الحياة العادية واختاروا التعبد. ثم تجول في إحدى اكاديميات الفنون الجميلة المصرية لتحاور طالبات فن صغيرات حائرات بين التقاليد والأعراف الاجتماعية وحبهن للفن.

ولعل ما يميز هذا البرنامج غياب الخطة الواضحة له، فالمقابلات التي انجزها لا يربطها رابط واضح. ففي حلقة لبنان مثلا، ركز البرنامج على الحرب الاسرائيلية الاخيرة ضد «حزب الله»، وسار المذيع بين اطلال الضاحية الجنوبية، ليقدم لقاءات كانت الاضعف في البرنامج كله بسبب الخلط الذي يبدو ان الناس هناك وقعوا فيه، إذ تحول حديثهم الى شكاوى عادية عن ضعف الاهتمام الحكومي اللبناني بمشاكلهم، وفقدان كثر منهم لمنازلهم من دون ان يتطور الحديث الى وجهات نافعة، خلافاً للاحاديث الجدية التي قدمها البرنامج مع طلاب الجامعات الاجنبية في العاصمة الاردنية عمان مثلاً.

وعلى رغم التقديم الموفق للمذيع البلجيكي المعروف يان ليوراس، وهدوئه الكبير ورغبته الشديدة في اظهار الجوانب الانسانية في كل المقابلات التي انجزها الا ان البرنامج لا يتميز بشيء عن برامج اوروبية اخرى تناولت المواضيع ذاتها، فلم يتجاوز الحدود التي رسمت له، وتعامل بايجابية كبيرة مع كل من صادفه في الرحلة هارباً من اية مواجهات فعلية في الحوارات، وهو الامر الذي تتطلبه احياناً حساسية القضايا المطروحة