الزميل العزيز إسحق

اللغة هو ما وضعه قوم من ألفاظ للدلالة على ما يريدون من معاني.
فما وضعه السريان من ألفاظ يسمى اللغة السريانية وما وضعه الغرب من ألفاظ يسمى اللغة العربية وما وضعه الفرنسيون من ألفاظ يسمى اللغة الفرنسية.
أسماء العلم للأشخاص والأشياء والأمكنة والجماعات لا تترجم، بل تنقل كما هي من لغة إلى أخرى إن عدم الاسم المقابل في اللغة الجديدة، مع مراعاة تحور الكلمة لتقبل اللفظ بأسلوب اللغة الجديدة.

اللغة العربية تؤخذ رواية عن العرب الأقحاح، وهم أولئك القوم الذين عاشوا منذ استقرار اللسان العربي إلى فساده في القرن الرابع الهجري.

وردنا اصطلاح العرب على تسمية طائفة من أهل الكتاب بالنصارى، وهم الذين آمنوا بالمسيح، بغض النظر آمنوا به إلها أم بشرا، ذو طبيعة واحدة أم اثنتين، مشيئة واحدة أم مشيئتين، في اثنينية مع الله، أو في ثالوث مع الآب والروح القدس، أو مع الله ومريم، وغير ذلك من الطوائف المختلفة.

الأصل عند غياب الإسم العربي، أن نأتي باللفظ السرياني الدال على الطائفة، ونقوم بتعريبه حتى يسلك في لسان العرب كما صنعنا بدينار واستبرق وزبرجد.
عند وجود الرواية السماعية، يترك القياس، ويرجح السماع.

كلمة نصارى هي لفظ جامد لا علاقة له بالناصرة وإلا لأصبح الناصريون، ولا علاقة له بالنصرة وإلا لأصبح الأنصار.
هي لفظ جامد غير مشتق على اسم الجمع للطائفة المعينة، ويؤخذ الإفراد منها بالنسبة إليها.


كلمة النصارى هي اللفظ الذي سماه العرب النصارى أتباع كنيسة انطاكيا وأورشليم والقسطنطينية لأنفسهم، وهم العرب الغساسنة وبني تغلب. وقد تبعهم النصارى النساطرة من المناذرة، وأتباع الكنيسة القبطية* من نصارى اليمن العرب.

القرآن حين سمى القوم قال:
(ومن الذين قالوا انا نصارى اخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فاغرينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون*)
(لتجدن اشد الناس عداوة للذين امنوا اليهود والذين اشركوا ولتجدن اقربهم مودة للذين امنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بان منهم قسيسين ورهبانا وانهم لا يستكبرون*)
فهو قد نسب التسمية إلى أصحابها، كما نسب إسم اليهود إلى أصحابه إذ قال:
(واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الاخرة انا هدنا اليك قال عذابي اصيب به من اشاء ورحمتي وسعت كل شيء فساكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم باياتنا يؤمنون*)
فكما تعلم، فإن الإسلام لا يقر بوجود دين غيره قبله، باعتباره جميع الأنبياء مسلمين، وليسوا هودا أو نصارى.

عموما، نخرج من الاختلاف اللفظي بعثوركم على نص شاهد لغوي يفيد أن العرب قد سمتكم غير اسم النصارى، ونحن نتبع العرب في اللغة وليست القضية دينية.

نسبتكم الاسم إلى طائفة منكم حصرا، تسمونها أنتم هراطقة، لا يصح، فقد سمت العرب الغساسنة وبني تغلب بالعرب المتنصرة، وقد علمنا اتباعهم قيصر الروم فيما يدين به، وقد علمنا أن غسانا قد لحقت بالروم بعد الفتح وأقامت في بلادهم، وبقيت تغلب تسمي نفسها بالنصارى حتى أسلمت طائفة منهم وبقيت على دينها طائفة.

القضية لغوية بحتة، نرجع إليها من مصادرها، وننظر أمهات المعاجم تخبرنا اليقين.