حادثة الإفك في الفكر السنّي - الأشعري

في البداية ذكرت أنّ حادثة الإفك تعتبر مفتاحاً رباعياً إلى ما هو أبعد في مسيرة التشريع الإسلامي بخاصّة، وحين نتحدّث عن التشريع الإسلامي يبدو أنّ تمسّكنا الأساسي سيكون بالرؤية السنّيّة للحدث إذ أنّ لها الأثر الأساسي في مسيرة التشريع.

وبعد طرح الرواية السنّيّة يمكن مناقشة الحدث على أنّه حدث يتّسم غالباً بطبيعة "جاهليّة" وينطبع بجميع طبائع المجتمع القبلي الجاهليّ الذي لا يكاد يجد منفذاً يمكن وضع التفسير الجنسي إلا ويضعه.

إذاً الفكرة هي أنّ هذا المجتمع الجاهلي مريض بهوس جنسي ما يجعل حدث تأخّر امرأة ونسيانها خلف القافلة قابلاً للتفسير الجنسي مباشرة... لا نقول أنّ هذا التفسير أتى من الهواء على الأقل لكنّ له عدّة أسباب مساندة على الأقل:

1- المدّة التي استغرقها هذا التأخير.
2- صفوان ذاته فهو أولاً جميل كما روي عنه وثانياً له تاريخ مع العائلة: ففي صحيح البخاري وصحيح مسلم والسيرة النبوية لابن هشام المجلد الثاني ص116
عن عائشة قالت قال النبي يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا (صفوان)ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي.

(وقد قرأت تعليقاً حديثاً على هذا الحدث في أحد المراجع، أورده هنا بالحرف فقط للدلالة على أنّ هذا أحد الأسباب التي كانت بالفعل تساند إثبات الإفك لدى من ادّعاه:
من الحديث السابق يتضح لنا أن صفوان أبن المعطل ذلك الفتى الجميل كان يزور النبي ويسأل عنه ويدخل ويخرج ويجالسه وعائشة في البيت تماما كما كان محمد يزور زيدا ويسأل عنه وأخيرا نكح زينب زوجة زيد والدنيا أدوار!!. )

كذلك في تاريخ ابن عساكر تذكر حادثة مشهورة بعض الشيء نصّها:

عن أبي سعيد قال جاءت امرأة إلى النبي صلعم فقالت يا رسول الله إن زوجي صفوان يضربني إذا صليت ويفطرني إذا صمت ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس قال وصفوان عنده فسأله فقال صفوان.. .. أما قولها يفطرني إذا صمت فإنها تصوم وأنا رجل شاب فلا أصبر(عن النساء) فقال صلعم لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها ... ..


3 - الطبيعة الجنسية لحياة عائشة، فعائشة تزوجت صغيرةً جداً من رجلٍ كبيرٍ للغاية يقال أنّه كان يحملها على كتفه لتراقب الغلمان يلعبون... وتقاسمها فيه عدّ’ نساءٍ وصل عددهنً إلى التسعة، لذا فقد استطاعت في أحسن الأحوال أن تحصل عليه خمسةَ أيّامٍ في الشهر بعد تنازل أمّ سلمة عن يومها.

4- هنا سبب قد يبدو تناقضياً، فربّما طبيعة الشخصية الضخمة لمحمّد جعلت هذا الحدث غير عاديّ. في الوقت الذي كان يفترض فيه أن يكون سبباً ضدّ المنادين بالإفك لا معه.

على كلّ حال ماذا كان موقف الإسلام من هذه الأخلاق الجاهليّة؟

كان موقف محمّد براغماتياً بشدّة، ففي حين أكّد على هذه الأخلاق كما في مثاله: "ما اجتمع رجلٌ وامرأةٌ إلا كان الشيطان ثالثهما"، "لا يخلُ رجلٌ بامرأةٍ إلا وبينهما محرم"... إلخ فقد رفض تطبيق هذا الأمر على نفسه هو... ولم يكن هذا الأمر الوحيد الذي حرّر نفسه منه. فقد تحرّر من

1- التربيع: فهو الوحيد الذي حقّ له أكثر من أربع زوجات.
2- العدل: ولم يكن مطالباً بالعدل بين نسائه.
3- المهر في الزواج: فكانت من النساء من وهبته نفسها بلا مهر، الأمر الذي رآه بعض الفقهاء فرضاً تحلّل منه النبي ورآه البعض الآخر سنّةً مستحبّة إلا أنّ النبي لم يكن هو القدوة التي يحتذى بها هنا.
4- وجوب موافقة الولي في الزواج: "لا نكاح إلا بولي" إلا أنّ من وهبنه أنفسهنّ لم يطبّق عليهنّ هذا.
5- انعدام العقوبة الرجعية في الإسلام: إلا في حادثة الإفك بزوجته بالطبع وقد ترك السنّة هذا البند دون تفسير.
6- فرض عدم زواج نسائه من بعده: وللأسف مات النبي وعائشة في قمّة نشاطها الجنسي وهي في الثامنة عشرة وحرّم عليها الزواج.
7 - فرض عدم النظر إلى نسائه: وهو حكم خاص بنسائه وحده.

إذاً... هل يمكن أن تكون نظرة محمّد - التي لا تعتبر جاهليّةً وحسب بل جاهليّةً متعصّبة أيضاً - قد تسرّبت إلى الفكر الإسلامي والتشريع السنّي بسبب هذه الحادثة؟ خصوصاً أنّها شهدت لأوّل مرّة تقاطع الحياة الشخصية والجنسية للنبيّ مع القرآن الذي يدّعي الصلاحية لكلّ زمانٍ ومكان؟

هذا هو أوّل مفاتيح السؤال المطروحة.. وللحديث بقيّة