أنا أصدق إبراهيم.

الخطاب المسيحي الخارجي عن المحبة والفداء + التصوير الملحمي الغرافيكي لآلام يسوع وصلبه، والذي يحاول الإسلام أيضاً استخدمه في الحديث عن فترة سنوات الدعوة العلنية لمحمد في مكة في محاولة لا تقترب من قوتها في المسيحية فلا تعطي تأثيراً + طبيعة الطقوس المسيحية المبهرة بصرياً وسمعياً من احتفالات وطقوس وإكليريكية تختلف بالكامل عن الطابع ’الشعبي‘ لتلك الخاصة بالإسلام، كل ذلك يصنع نوعاً من الطبقية الظاهرية توحي للمهتم بالمظاهر أن المسيحية للصفوة فيما الإسلام للعامة، أو على الأقل تمنح نوعاً من الأفضلية للمسيحية.

أنا لا أتحدث عن عقائد--الديانات في معظمها تدعو لعقيدة واحدة هي عبادة إلهها ورفض البقية--بل أتحدث فقط عن الانطباعات والأسطح، وهي أشياء من شأنها التأثير في أي مراهق أو حتى ساعٍ مبتدئ للمعرفة لأنه ـ ببساطة ـ لم يصل بعد إلى الاستقرار النفسي الذي يوفره سبك أسس منظومة فكرية واضحة. من منا كان يسعى للمعرفة ولم يغير اتجاهاته مرة واثنتين وثلاثة؟ أنا شخصياً مررت بفترة إعجاب وارتياح نفسي للكاثوليكية لمجرد أني أعشق الأورغن، قبل أن يصفعني العقل لأستفيق.

إبراهيم أراد سكينة--راحة نفسية. في الأديان الإبراهيمية كانت السكينة ملاكاً من ملائكة الإله ينزِّلها على من يشاء من أتباعه في وقت الشدة والتعب والكرب فيشعر هؤلاء بدفء النور يُقذَف في صدورهم. إبراهيم نال سكينته حين تعب في أن صنع له لاوعيه باباً ليخرج منه من دون أن يتحمل مسؤولية الاختيار. لهذا السبب يتحدث عن يسوع في منامه بنوستالجيا صديق يلقاه بعد طول غياب. إبراهيم لم يقل له "أنا أؤمن بك" بل قال "أنا أيضاً أحبك--أنا أعرفك."

هذه الجملة الأخيرة تشير إلى الشيء الذي كان يفتش عنه إبراهيم في الكتب. إبراهيم كان ينشد رؤية الإله، كان يريد شيئاً ملموساً، والإسلام لم يقدم له ذلك لأن الإسلام كتوم فيما يتعلق بحياة محمد قبل النبوة، ولأنه يحرم تصوير الأنبياء، ولأن الإله فيه بعيد جداً كمن ألقى للناس قطعة لحم ورحل.

على الناحية الأخرى هناك الكثير عن سيرة يسوع حتى لو لا يوجد دليل علمي أو تاريخي يدعمها، مطعمة بأعمال فنية تخلب الألباب صنعها مبدعون أيام كانت الكنيسة راعية الفن التشكيلي، والصفات الشخصية ليسوع نفسه التي تجعله مثالياً يحاكي الملائكة بالمعايير الشرق أوسطية؛ فهو طيب الخلقة، مداوٍ، عفيف لا يمارس الجنس، والأهم من كل هذا أنه يملك أماً. مريم عنصر مهم في تكوين الصورة الانطباعية للمسيحية؛ فهي شخصية مثالية بدورها وهبت نفسها للعبادة، وفوق ذلك تقدم وسيلة تعاطف ممتازة حين يتم التعرض إليها في فترتي تعذيب وصلب ثم ما بعد موت ابنها وهروبها ثكلى من وطنها إلى مصر خوفاً من البطش.

أما محمد فلا يوجد أي عنصر من عناصر الجذب العاطفي أو الشكلي في قصته، وتكاد دعايته تقتصر على الترويج لرجاحة عقله وذكائه وحسن أخلاقه، وهي صفات رب أسرة، ورب الأسرة يكون الشعور تجاهه هو الخوف من النقد والاحترام. أما الجانب الأنثوي في القصة فهو مقصور بالكامل تقريباً على زيجاته، والجنس في العقلية التقليدية نقيصة في الشكل مفخرة في جلسات الزهو. أما الأمومة فمختفية تماماً؛ فلو كان ليسوع أمٌ بلا أب فإن محمداً يقضي حياته التي نعرفها من دون أب ومن دون أم أيضاً، التي كان ذكرها في السيرة مقصوراً على "وبعد إنجابه بقترة قصيرة توفيت آمنة فكفله جده"، وبالتالي يساهم ذلك أكثر في نزع الصفات التي يمكن تخلق نوعاً من مواضع الالتقاء أو التخوم بين المتلقي والشخصية. والحقيقة أن ذلك يسري على كل شيء في الإسلام ما عدا فقط الأحاديث القدسية، المشابهة في الحنو والاحتواء لرسائل الإلهة نويت الفرعونية. لكن هذا القسم من الأحاديث، وبرغم أنه يجيء بصوت الإله، إلا أنه لم يتم اعتماده كجزء من القرآن ولا يتم النظر إليه بجدية في الأحاديث، ربما لأنه لا يرتبط بالتشريعات، فكانت النتيجة أن تم إهماله، مع أنه أحد أفضل وسائل الدعاية المتاحة للإسلام.

هذه بعض الأسباب التي تجعل قصة إبراهيم، برأيي، تجربة منطقية في الاتساق من ناحية الشكل المنطقي فقط ـ(وأكرر أني لا أتحدث عن مقاربة عقلية للمحتوى بين الديانتين،) وأرى رؤيته ليسوع في النوم ممارسة لميكانيزم دفاعي استخدمه لاشعورياً كي يجلب لنفسه راحة عدم تحمل عبء مسؤولية الإقدام على استبدال ’هرتلة‘ بـ’هرتلة‘ ـ كما يقول المناضل نيوترال ـ أمام عقله؛ فالأسباب التي يسوقها في سرده منقصة للإسلام يوجد نظيرها الكامل في المسيحية لمن يريد البحث تحت السطح الدعائي لكليهما.

---

[إضافة]

لي ملحوظة، ذو. لماذا جاء سردك، رفيق إبراهيم، للقسم الخاص بتعرضك للاضطهاد مبتوراً على عكس استفاضاتك في المواضع الأخرى؟ يعني مثلاً لماذا لم تتحدث عن كيف عرفوا تحولك، وهل كان ذلك لأنك أعلنت الأمر وبالتالي وضعت نفسك في مواجهة معهم باختيارك؟ أم أنهم فتشوا في دفاترك؟

لو أمكن، إن لم يكن ذلك ليؤلمك عزيزي، أن تسرد هذه النقطة لأنها تهمني بشكل شخصي.