مرحبا زميلنا العزيز بهجت
لا أتوقع منك في هذا الموضوع إلا مداخلة بهذه الكثافة الفكرية

بالفعل أحاول أن أكتب كلما سنحت لي الفرصة لتدوين خواطري التي تتناول تلك المشاعر الوجدانية ، وأحاول في كل مرة أن أعتمد على تجارب شخصية مررت بها.
ولا أحب أن أتحدث من الخارج بطريقة تجريدية عن تلك المشاعر. ولا حتى أن أوجه القاريء بل ولا حتى نفسي لشيء ما. وإنما أمرن عقلي على أن يبرز الفكرة الرئيسية من خلال القصة التي أرويها.
ولهذا فرحت كثيراً عندما رأيت أن الزميلة جريئة قد التقطت ما أتحدث عنه بسهولة ، وهو ما اقتبسته منها في ردي عليها.
أود أن أستفسر منك عن الإسم الإنجليزي لمسرحية " سوء تفاهم" لأني لا أمتلك نسخة بالعربية منها، وأريد أن أبحث عنها على النت. لأني لم أقرأها بعد..رغم أني قمت بتجميع الكثير من المواد لكامي ، وغيره من الوجوديين قدر استطاعتي.
في المقابل أستطيع أن أفهم ما تشير إليه في نهاية القصة، لأن ما أثار في الشعور بالنشوة في نهاية قصة الغريب، هو ذات الشيء. حيث حصلت المواجهة بين بطل القصة "ميرسو" الذي حكم عليه بالإعدام في الجزائر لقيامه بجريمة قتل على الشاطيء، وبين القسيس الذي كان يحاول في اللحظات الأخيرة أن يكسبه في الإيمان ، ويدفعه للندم والإعتراف بالخطية.
صرخة ميرسو في وجه القسيس هي التي جعلتني أتغير .. وأبدأ في مراجعة فهمي للحياة كلها .. رغم الخوف الذي شعرت به عندما أنهيت قراءة القصة، والذي يسهل علي استرجاعه كلما تذكرتها.
عندما سأله القس بأن يصف له الحياة الأخرى التي يتمناها ، فرد عليه ميرسو قائلاً : هي حياة أستطيع أن أتذكر فيها هذه الحياة التي عشتها.
إنني أنظر إلى تلك الحوائط منذ شهور طويلة، وليس هناك شخص أو شيء أعرفه أكثر من معرفتي بها.
ثم أمسك به من ياقته وطرده خارج زنزانته وقال له أنه لو أتيح له أن يعيد الحياة مرة أخرى ، لفعل نفس ما فعله في هذه.
وكانت تلك بداية اطلاعي على الكتاب الآخرين ، قدر ما يتيحه لي الوقت.
د عبد الرحمن بدوي ساعدني كثيراً في فهم الوجودية ، كذلك ، سلسلة عالم المعرفة ، إضافة إلى صفحة لأحد أساتذة الفلسفة الوجودية الأكاديميين في جامعة كاليفورنيا.
وهو يقوم بتدريس الوجودية منذ سنوات طويلة في تلك الجامعة. وهو الذي قام بكتابة صفحته تلك عن الوجودية والوجوديين ، هنا تجد الصفحة :
http://www.tameri.com/csw/exist/
عندما وجدت هذه الصفحة في البداية ، طبعتها كلها على ورق، وكنت أمضي الليل كله أحياناً في قراءتها في غرفتي. ثم أعيد وأعيد مرة وأخرى

لم تكن كتب كامي و كولن ولسون متاحة بسهولة . وجدتها في النهاية في مكتبة مدبولي بأسعار مرتفعة جدا ، واشتريت كل ما وجدته في طريقي.
ولا زلت حتى هذه اللحظة أحاول أن أفهم أكثر ، كلما وجدت متسعاً من الوقت.
ما دفعني إلى الوصول إليها هو أن الطريق انتهى بي في مرحلة ما، عند البوذية ، والداوية.
وكلاهما يبدأ نفس البداية التي تبدأ بها الوجودية ، وهو أن العالم لا معنى له، وأن الإنسان يعاني، وأن خلاصه بيده وحده.
ولكن بعد فترة من الوقت والمحاولات لفهم تلك المذاهب، لم ترق لي فكرة التناسخ والنرفانا ، التي تتوالى حياة بعد حياة بعد حياة ، حتى يصل الشخص إلى أن يتخلى عن كل رغبة، وهكذا تتحرر روحه في الميتة الأخيرة منتقلة إلى النرفانا حيث تتلاشى في طاقة الكون الكبرى.
خاصة عندما رأيت البوذيين يحاولون استخدام نفس مفهوم " الإعجاز العلمي" الذي رفضته من قبل في الإسلام، لإثبات حقيقة تناسخ الأرواح. فبدى لي الأمر أني أخذت دورة كبيرة لأعود إلى نفس النقطة مرة أخرى، ولكن هذه المرة بدلاً من الجلباب الأبيض واللحية الطويلة ، جلباباً أحمر ولحية حليقة. ما جعلني أنفر منها كما نفرت من المسيحية من قبلها.
وعندها جاءت الوجودية لتضيف لي التكملة التي كنت أبحث عنها. وهي أني أنا الذي يتعين عليّ أن أجد معنى لحياة لا معنى لها ، ولا أنتظر تفسيراً أو نظرية من أحد أو من كتاب مقدس ما.
وأنا من يتعين عليه أن يتقبل اختياره ويتحمل مسئوليته.
كولن ولسون يعتقد بوجود قوىً خارقة ، ولكنه لا يعتقد بوجود شيء فوق طبيعي.
وإنما يقول بأنها أشياء طبيعية ، لم يكتشف لها قانون واضح بعد، ولكنه سوف يكتشف في المستقبل عندما يتم تطوير أدوات مناسبة للإمساك بها في المختبر.
لقد كان لنا حوار طويل منذ عام تقريباً حول هذا الموضوع هنا، وفي نفس الفترة السابقة أيضاً ، مع الزميل وليد ، حول اللامنتمي ، حيث شارك بمداخلات كثيرة رائعة تتناول دراساته في علم النفس والإتصال.
على الرغم من كل هذا الكلام السابق ، لا أحب أن أقولب نفسي في إطار روائي لمجرد أن أبدو نموذجاً أو "مانيكاناً " لفكرة معينة لمجرد أنني معجب بها.
فهنا أنا أشعر بالأسف على أشياء ، وأعتقد بأنه لو أتيح لي العودة لما فعلت كميرسو وكررت اختياراتي مرة أخرى. بل لاخترت مساراً مختلفاً ، وذلك تحديداً في ما تحدثت عنه في أول مشاركة ، وهو ما يتعلق منه بتلك الصداقات التي كنت أتمنى لو أنها استمرت ولم تنته بسبب جنوني المزاجي.
من الجهة الأخرى، كما قلت أيضاً ، رغم الأسف الذي أشعر به، حصلت على جائزة كبرى من هذه الوحدة التي أوصلت نفسي لها ، وهي المزيد من البقاء مع نفسي ، ما دفعني إلى اتخاذ الخيارات المناسبة بشكل أسرع مما لو كنت قد أضعت ثلث اليوم مع الآخرين ، وإن كان ذلك الثلث سيكون جميلاً.
ولهذا، انتهيت أخيراً بعد هذه المعركة الداخلية الطاحنة إلى أنني لست بآسف على أنني آسف.
شكراً جزيلاً لك