ابن التلميذ

(466 ـ 560هـ/1073 ـ 1165م)

موفق الملك، أمين الدولة، أبو الحسن هبة الله بن صاعد بن إبراهيم، المعروف بابن التلميذ البغدادي. طبيب وحكيم، وأديب وشاعر وناثر. كان واحد عصره في صناعة الطب، وكان يجيد الفارسية واليونانية والسريانية، متضلعاً بالعربية. خدم الخلفاء من بني العباس، وتولى رئاسة البيمارستان العضدي حتى وفاته.
كان والده طبيباً فاضلاً ومشهوراً، كما كان جده لأمه، معتمد الملك أبو الفرج يحيى بن التلميذ، حكيماً متقناً للصناعة الطبية، وإليه نسب ابن بنته هبة الله ابن التلميذ.
أخذ ابن التلميذ علم الطب عن أبي الحسن هبة الله بن سعيد، صاحب التصانيف المشهورة، ومنها كتاب «الإقناع»، وكتاب «المغني».
سافر ابن التلميذ في أول أمره إلى بلاد العجم، حيث بقي في خدمة المرضى سنين عدة. ولما عاد إلى بغداد فوّض إليه الخليفة رئاسة الطب فيها، فكان يجتمع إلى سائر الأطباء يمتحنهم، ليرى ما عند كل واحد منهم من هذه الصناعة، ويقيّد كل واحد منهم بعمل ما يحسنه.
أثنى العماد الأصفهاني على ابن التلميذ فقال عنه: «هو مقصد العالم في الطب، بقراط عصره وجالينوس زمانه، ختم به هذا العلم، ولم يكن في الماضين من بلغ مداه في الطب، عمّر طويلاً وعاش جليلاً». ثم وصف خلقه وسجاياه فقال: «ورأيته وهو شيخ بهي المنظر، حسن الرواء، عذب المجتلى والمجتنى، لطيف الروح، عالي الهمة، ذكي الخاطر، مصيب الفكر، حازم الرأي، شيخ النصارى وقسيسهم ورئيسهم».
ومما يروى عن مروءته أن ظهر داره كان يلي المدرسة النظامية، فإذا مرض فيها فقيه نقله إلى داره وقام على تمريضه، فإذا أبلّ وهب له دينارين وصرفه.
كان ابن التلميذ حسن السمت كثير الوقار، حتى إنه لم يسمع منه بدار الخلافة، مدة تردده إليها، شيء من المجون وكانت دار القوارير ببغداد من إقطاعاته، فلما ولي يحيى بن هبيرة الوزارة حلها وأخذها منه، فحضر ابن التلميذ يوماً مجلس الخليفــة المقتفي (530-555هـ) على عادته وكان المقتفي يجلسه لكبر سنه، فلما أراد ابن التلميذ الانصراف عجز عن القيام لكبر سنه، فقال له المقتفي: كبرت يا حكيم. فأجاب: نعم كبرت، وتكسرت قواريري، وهذا مثل يتماجن به أهل بغداد لمن عجز وبطل، ففطن الخليفة وقال في سره: رجل عمّر في خدمتنا، وما تماجن قط بحضرتنا، فلهذا التماجن سرّ ثم فكر ساعة، وسأل عن دار القوارير، فقيل له: إن الوزير ابن هيبرة قد انتزعها منه، فأنكر المقتفي ذلك إنكاراً شديداً وردها عليه وزاده إقطاعاً آخر.
كان ابن التلميذ متبحراً في اللغة العربية. وله شعر كثير مستطرف حسن المعاني، إلا أن أكثر مايوجد له البيتان أو الثلاثة. وأما القصائد فلم يؤلف منها إلا القليل. وله أيضاً ترسل كثير جيد، كما كان هاوياً للموسيقى. ومما يروى عن ابن التلميذ أن مجلسه، في صناعة الطب كان يضم خلقاً كثيراً يقرؤون عليه. وكان اثنان من النحاة يلازمان مجلسه، ولهما منه الإنعام والإكرام، فكان من يجده من المشتغلين عليه يلحن كثيراً في قراءته يترك أحد ذينك النحويين يقرأ عنه وهو يسمع. ثم يأمر ذلك بأن يقرر للنحوي أجراً يعطيه إياه.
وكان من تلاميذ ابن التلميذ المشهورين: فخر الدين المارديني، ابن أبي الخير المسيحي، موفق الدين ابن المطران.
ومما رواه ابن أبي أصيبعة عن موفق الدين البغدادي أن ابن التلميذ كانت له في الطب أعمال مشهورة وحدوس صائبة، وأنه كان لا يقبل عطية إلا من خليفة أو سلطان، وكان من أصحابه بديع الزمان الاصطرلابي[ر].
قام ابن التلميذ بتصنيف كثير من المؤلفات، أكثرها اختصارات وشروح وحواش، أما مؤلفاته فهي: «الأقرباذين الكبير» في عشرين باباً، وآخر مختصر في ثلاثة عشر باباً، و«المقالة الأمينية في الأدوية البيمارستانيّة»، ومقالة في الفصد، وكناش مختصر في الطب، وكتاب «التوقيعات والمراسلات». وقد شاع أقرباذين ابن التلميذ وصار المرجع المعتمد في البيمارستانات وعند الصيادلة والعطارين. ومن مؤلفاته الأخرى: «حاشية على القانون» لابن سينا، مختصر كتاب «الحاوي» لأبي بكر الرازي، مختصر تفسير «تقدمة المعرفة» لأبقراط، اختصار شرح جالينوس لكتاب «الفصول»، مختار كتاب «أبدال الأدوية» لجالينوس.

زهير البابا


http://uploading.com/files/DIXQN63U/33.rar.html