الحقيقة أن الموضوع شائك ولا يمكن اختصاره برد هنا ورد هناك وقد يأخذنا من حيث لا ندري إلى استعراض تاريخ سوريا الحديث ... لذلك سوف أختصر ردي برؤوس أقلام فقط لإثارة الأفكار عند البعض وقد تفوتني بعض الأفكار لأن الموضوع كما قلت أعقد مما يبدو عليه .... فهو يحاكي تشكيلات اجتماعية مختلفة بما تحمل من عادات وتقاليد وتاريخ وموروث ديني وغير ديني ...

لجنة سرية ... مشروع قانون مات في المهد قبل أن يصبح مشروع قانون أصلاً ...!!

إنه بالون الاختبار الذي أحبت القيادة السياسية إطلاقه (لحاجة في نفس يعقوب قضاها) .... وربما من المعقد أن أدخل في تفاصيل سورية من مثل الفرق بين القيادة السياسية والحكومة السورية ومدى التداخل والتشابك في أمكنة ومدى الافتراق والاختلاف في أمكنة أخرى ... إنه الواقع السوري الداخلي المعقد الذي لا يفهمه إلا السوريين والسوريين العارفين منهم فقط ...

لن اتكلم في تفاصيل القانون لأني سأضطر إلى صرف وقت لا أملكه على قراءة القانون القديم واستشارة الخبراء ليعطوني التفاصيل المملة ومن ثم المقارنة بين الاثنين ... ولكن سأكتب قراءة سريعة في الرسائل الني أُُريد لها أن تصل من خلال هذه الحركة وقد وصلت للجميع ....

إن سماح القيادة السورية للجنة أن تكون سرية ولها مطلق الحرية في كتابة وصياغة قانون للأحوال الشخصية دون معرفة الطوائف الآخرى أمر فيه الكثير لكي يقرأه الشخص .... وقد قرأت للبعض من زملاء وصحفيين أن الموضوع ممكن أن يكون فاتحة تطبيع مع إسرائيل أو محابة للأصولية الاسلامية أو أو ...إلخ
والحقيقة التي تشغل فكر القيادة السياسية لا هذه ولا تلك ...

الموضوع عبارة عن مجموعة رسائل أحبت القيادة السياسية توجيهها وقراءتها :
الرسالة الأولى إلى الشعب : أنظروا عندما يمنح الاسلاميين بعض الحرية ماذا يحدث ..
الرسالة الثانية إلى الاسلاميين : أنظروا إذا أردتم تمرير قوانين تحاكي الموروث الإسلامي مقدار المشاكل الذي سوف تتسببون بها
الرسالة الثالثة للمتضررين وما أكثرهم بمن فيهم الأقليات الدينية والمذهبية والمرأة : أن شخص الرئيس هو الضامن لعدم تمرير هكذا قوانين عند فشل المؤسسات في عملها ، وغالباً ما تفشل لأن الفكر المؤسساتي في سوريا ضعيف ...

مع الانتباه إلى أن هذا القانون يهدف إلى سبر رأي عينة محددة في المجتمع السوري وهي الطائفة السنية تحديداً ... لأن الأقليات الطائفية الأخرى من جهة وتكوينات اجتماعية متضررة مثل المرأة معروف رأيها سلفاً فيه ... وأعتقد أن لا شيء أفضل من قانون الأحوال الشخصية لسبر رأي مجموعة دون الدخول في متاهات السياسة ومعرفة نبضها الحقيقي ...

إن تاريخ سوريا وتاريخ حزب البعث خصوصاً دقيق ومعقد .... ولطالما عانى حزب البعث في إقناع السنة وأبناء المدن بالانتساب له وهذه المعاناة ليست حديثة العهد بل هي منذ تأسيسه فالسنة في غالبيتهم لديهم أسبابهم العقائدية التي تبعدهم عن العلمنة واهل المدن كانوا يقيمون النجاح في فعاليات بخلاف الجيش والحياة الحزبية ... بينما استفاد الفلاحين وأهل المناطق النائية من اشتراكية حزب البعث لأنها تحاكي همومهم وطموحاتهم ..
وقد اجتمع السببين بأن معظم أهل المدن في فترة سابقة كانوا من السنة ومعظم أهل الأرياف والمناطق الجبلية الأخرى هم من الفلاحين والأقليات الطائفية... فتأملوا المشهد ...!!
وقضية حزب البعث النصف علماني وسوريا النصف إسلامية التي يطرحها البعض هي قضية ليست بجديدة أوغريبة فهذا أقصى ما استطاع حزب البعث الوصول له ومن يعتقد أنه كحزب مهيمن يستطيع تحقيق أكثر من ذلك فهو مخطأ .. فطالما أن السنة في سوريا (وهم شريحة كبيرة) لم يقرروا أن يعلمنوا المجتمع سوف يظل المجتمع السوري مجتزأ العلمانية ...

إن السنة في سوريا جزأين .... جزء معتدل ويعيش حياة طبيعية مع الثقافات والأقليات الطائفية لا يخشاهم ولا يخشونه (وأعذروني عن ضرب الأمثلة حتى لا نذكر مناطق وننسى أخرى ونخلق الحساسيات )
والجزء الآخر متطرف متمثل بفكر الإخوان المسلمين المستورد من مصر والمطعم بالفكر الوهابي السعودي ولمن لا يعرف تاريخ الاخوان عليه أن يقرأ عن تاريخ المرشدين للحركة في سوريا وسيدرك ما أقصده ...

الخلاصة أن اللجنة السرية ومَن ورائها أعطوا فرصة تمثيل الفكر الإسلامي بشكل معتدل وقد فشلوا في الاختبار بامتياز ... والفشل الأكبر يكمن في إثارة الحساسيات وعدم القدرة على تطمين الأقليات الطائفية والدينية وكل المعتدلين في سوريا وشرائح مختلفة وواسعة من المجتمع السوري أن هذا المجتمع قادر على ان يخطوا نحو المساواة بين جميع أطيافه إذا سلم زمام المبادرة للسنة دون حماية العسكر للأسف .. هذه الحماية التي ستظل معها العلمانية مجتزأة والحقوق مبتورة للمجتمع المدني المنشود ولكنها تظل أقل خطراً من الذهاب نحو التطييف والتمذهب والرجعية في رأي البعض ...

إن الخطاب الاسلامي الموجه للمجتمع السوري (بالذمي والكتابي ... إلخ ) يفصح عن حقيقة لم يدركها المسلم المتزمت بعد (رغم أننا في القرن 21) ألا وهي : أنه يستطيع أن يتبنى صيغة الخطاب مع إلهه التي تناسبه ولكن لا يستطيع أن يفرض الصيغة التي يراها مناسبة للآخرين على الآخرين ...


تحياتي للجميع تقريباً ...