فيلم توم هانكس The Terminal ومثله فيلم Cast Away
يمكن النظر إليها من زوايا مختلفة وفهمها بطرق متعددة ، وهذا هو ما يجعلها من روائع السينما.

هناك من ينظر إلى The Terminal من زاوية سياسية ، بأن على دول الاتحاد السوفيتي السابق أن تتعلم الإنجليزيّة على الطريقة الأمريكيّة حتى تحافظ على بقائها في العالم، وبأنّ عليها الحصول على أوتوجرافات المطربين الأمريكان والاهتمام بالطابع الغربي حتى تتمكن من النجاة في عالم أمريكا الجديد .

ونلاحظ ان كلا الفيلمين يتناول العلاقات الأمريكية السوفيتية، ففي cast away كانت مهمة بطل القصة تتعلق بالاتصالات communications بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا وذلك عن طريق توصيل الطرود بين البلدين، وفجأة سقطت طائرة الخطابات وتحطمت ، وكان على الموصّل أن يعيش فترة من الوحدة المهددة بالموت وعندما نجا أخيرا وجد ذلك الموصّل للمعلومات بين البلدين أن العالم كلّه قد تغير ، وقرر أن عليه الاستمرار في التنفّس i had to keep breathing كما جاء على لسان توم هانكس في نهاية الفيلم.

وهناك من ينظر إليها من زاوية فلسفية باعتبارها تتحدث عن رحلة الإنسان في العثور على ذاته وتحديد هدفه في الحياة من وجهة نظر وجوديّة. وتبدأ هذه الرحلة عندما يمتلك الإنسان فجأة حريّة أوسع مما يتخيل مما يصيبه بالذعر في البداية وربما الرغبة في الموت تخلصا من هذه الحرية المفاجئة الهائلة التي يصبح فيها هو سيّد أرضه وواضع قوانينه دون إله أو سلطات ، ومهما كان هذا الهدف تافها في نظر الآخرين فإن المعنى الحقيقي هو ما يضفيه الإنسان على أهدافه وغرضه من حياته الشخصيّة ، حتى لو كان بتفاهة الحصول على توقيع مطرب جاز بتعريض الحياة للخطر ، فالمعنى هو ما يعطيه الإنسان لحياته بعد اختياره الشخصي.

وهناك من ينظر إلى الفيلمين باعتباره تجربة إنسانية مرهفة تتكلم عن الوحدة،
الوحدة اولا بشكلها الصريح بلا لبس في فيلم cast away حيث يقوم توم هانكس بخلق صديق افتراضي من كرة ، ثم وحدته مرة أخرى عندما يعود إلى وطنه فيجد نفسه في موقف مشابه لما تعرض له في الجزيرة بعد أن تزوجت حبيبته .

ثم الوحدة في فيلم The Terminal وهي النوع الذي يعاني منه الكثيرون ، وذلك عندما يكون الإنسان محاطا بأناس كثيرين ولكن لا أحد منهم قادر على فهمه فيشعر كأنّه في جزيرة لوحده رغم الجموع التي تحيط به ، وخصوصا في ذلك المشهد الذي كان توم هانكس يقف فيه إلى جوار الهاتف ويحاول طلب المساعدة من الناس الكثيرين الذين يمرون بجانبه لإجراء مكالمة هاتفيّة ولكن لا أحد منهم يعيره انتباها، ثم يأتي دور المخرج سبيلبرج ليرتفع بالكاميرا تدريجيّا حتى يظهر الكم الهائل من البشر المتواجدين في المطار ، وفي وسطهم يقف توم هانكس " وحيدا " ، اعتقد أن هذه اللحظة في الفيلم هي أقوى اللحظات التي تحلّت بها المشاهد جميعا، ومن يمتلك فيكم الفيلم فعليه أن يشاهد هذا الجزء الذي تحدثت عنه مرة أخرى حتى يرى روعة الإخراج والتمثيل عندما يتحدان معا.

وعندما تظهر الإنسانة الوحيدة التي استطاعت أن تفهمه من وسط هذه الجموع، إذا بها تتخلى عنه وسط قمّة علاقتهما لتعود إلى عالم تعلم هي أنّه زائف ، ولكنّه يحصل رغم ذلك على بعض الأصدقاء المخلصين الذين وإن كانوا لم يستطيعوا فهمه إلاّ أنّهم قدموا من أجله التضحيات.

كما يشير هذا الفيلم إلى الصداقة، فتوم هانكس إنسان أراد أن يحقق وعدا أعطاه لأبيه بالحصول له على شيء طالما تمنّاه ، ومضى في تحقيق وعده إلى أبعد الحدود رغم موت أبيه الذي كانت تربطه به صداقة. ومن الجهة المقابلة فإن الكثير من الأحياء الذين تربطهم صداقة لا يحققون وعودهم ، ناهيك عن أنهم لا يمتلكون القوة في كثير من الأحيان لإعطاء أيّة وعود، لأنّ الوعود غالبا ما تشمل تضحيات وتنازلات.والحديث عن الوحدة والصداقة هي تجربة وجوديّة يطغى فيها الجانب الوجداني والعاطفي.

ما أنصح به هو مشاهدة الفيلم Cast Away أولاً ، ثم مشاهدة فيلم The Terminal بعده.