(07-19-2009, 05:30 PM)jafar_ali60 كتب:  انا اذهب الي القول ان ما يعرف بالوطن العربي والبلاد العربية قد تشكّل بعد ظهور الاسلام وانتشاره وليس قبل هذا كما يرى شوقي ابو خليل

مع التحية

وأنا معك يا "أبو جعفر"، وأعتقد أن "شوقي أبو خليل" متطرف برأيه. مع هذا فإن هدفي من هذا الموضوع هو التوضيح بأن "العرب" ليسوا مستجدين على هذا الشرق وعلى حضاراته المتعددة المتنوعة. بل لربما كانوا الأكثر أصالة فيه، ومن الأكيد أنهم الأكثر فاعلية وتأثيراً بين جميع أممه الغابرة والحاضرة. هذا التأثير برز من خلال ثلاثة عوامل:
1) في الزمن القديم ، من خلال الموجات البشرية التي ألقت بها الجزيرة العربية إلى الخارج كي تقيم حضارات مختلفة متنوعة في بلاد الشام والعراق (كنعانيون، فينيقيون، آراميون، بابليون، آشوريون ...إلخ). بل لعلنا نجد آخر المحاولات لإقامة ممالك خارج الجزيرة من عرب الجزيرة كانت من خلال مملكتي "لخم" (مملكة الحيرة) و"غسان" في العراق وفي الشام.

2) على مدار التاريخ (آخر 10000 سنة) كانت الجزيرة العربية تفيض دائماً بسكانها فيهاجرون منها بعد أن تعضهم السنين المجدبة، ويتناثرون في البلاد المحيطة بها ويضيفون دماء عربية جديدة وعادات وممارسات إلى طابع البلاد التي ينزلون فيها. وهذا رأيناه في الاقتباس الثاني (الدكتور عبدالرحمن عبدالرحيم الريطي) عن دور الهجرات والقبائل العربية في إضفاء خصائص ديمغرافية جديدة على وادي النيل.

3) العامل الثالث هو السيطرة العربية السياسية، والثقافية لاحقاً، على جميع بلدان الوطن العربي مع خروج الإسلام من الجزيرة. طبعاً، هذا العامل، كما نعلم، هو الحاسم في صهر حضارات الشرق القديم وشعوبه كلها في مرجل واحد اسمه "الحضارة العربية الإسلامية". هذا "الصهر الثقافي والحضاري" محا معظم التمايزات بين أبناء هذه المنطقة وأعاد تشكيل وعيهم ومعارفهم وعاداتهم وطباعهم وفق نسق جديد واحد. هذا النسق "العربي الإسلامي" الجديد أدى إلى "القطيعة" بين شعوب الشرق وحضاراته البائدة؛ فالمصري لم يعد له علاقة بالفراعنة، وبلاد الشام انتهت "سريانيتها" وارتباط العراقي بالإكديين والبابليين والآشوريين هو ارتباط جغرافي فقط. هذه القطيعة قابلها من الناحية الثانية "نموذج عربي إسلامي" لا تأسره الجغرافيا ولا تقيده خصوصيات ثقافية قديمة، فالإنسان العربي كان يستطيع أن ينتقل بين المشرق والمغرب أو العكس دون مشكلة تذكر. وأينما يحل فلسوف يجد مجتمعاً شبيهاً بمجتمعه الذي عرفه في بلده.
ما يوجد لدينا اليوم في الوطن العربي هم فلسطينيون لا علاقة لهم بالكنعانيين، ولبنانيون لا علاقة لهم بالفينيقيين، وعراقيون لا تجمعهم أي وشائج مع الكلدانيين، ومصريون لا يعرفون من حضارة مصر القديمة إلا اسمها وبالكاد، من ناحية أخرى فالفلسطيني اليوم ولبنانيه ومصريه وعراقيه وسوريه متشابهون جداً في الأطباع والعادات و التقاليد وردات الفعل حتى لتكاد تحسبهم واحدا، ولعل كل منا يستطيع أن يعيش في الدول العربية الأخرى دون أن يشعر "بغربة". فهذا "المرجل" (الدست ) العربي الإسلامي صهر جميع زجاج الشرق على نار عربية إسلامية وأعاد سبكه من جديد. لذلك، فمن الهلوسات المضحكة اليوم أن ينتسب الشرقي إلى حضارة بائدة وينسى أنه "عربي إسلامي" بالضرورة أو (إذا ما كان مثلي من أصول مسيحية ديناً) "عربي" ينتسب إلى حضارة "عربية إسلامية".

واسلم لي
العلماني