النص التالي سوف يلخص الكثير مما نريد أن نقوله في هذا الموضوع بالنسبة لعلاقة العرب بوادي النيل في العصور المتقدمة على العصر العربي الإسلامي. هذا النص مقتطع من كتاب اسمه "القبائل العربية في مصر في القرون الثلاثة الأولى للهجرة" لمؤلفه الدكتور عبدالله خورشيد البري، وصدر عن "الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1992م.
يقول الكاتب في صفحة 10 حتى صفحة 12 (النص منقول دون الحواشي والمراجع التي استند عليها الكاتب والمثبتة في الكتاب):

مثلما اتجه العرب شرقاً وشمالاً اتجهوا غرباً إلى مصر. ونحن لا نغالي إذا قلنا ان اتصال العرب بمصر يرجع إلى عهود سحيقة، فإن صلات السلالة والدم بين وادي النيل الأدنى وشمال الجزيرة العربية هي صلات بعيدة الأصل ترجع إلى عصور ما قبل التاريخ، إذ يرى علماء الجيولوجيا أن الجزيرة عبارة عن تكملة طبيعية لصحارى أفريقية التي يفصلها عنها الآن منبطح وادي النيل ومنخفض البحر الأحمر العميق. كما ذهبوا الى أن الجزء الجنوبي الغربي من بلاد العرب كان عبارة عن بحيرة. وإذا كان البحر والصحراء قد شكلا فيما قبل التاريخ موانع لا يمكن التغلب عليها بالنسبة إلى قوة حربية كبيرة وجعلا من مصر بلداً لا يسهل غزوه، فقد كان الأمر ميسوراً جداً في حالة تسلل أفراد أو جماعات متجولة أو قوافل تجارية صغيرة سواء من الشمال عند شبه جزيرة سيناء حيث تلتقي الصحراء الشرقية ببلاد العرب لقاء دائماً، أو من الجنوب حيث يشتد اقتراب جزيرة العرب من أفريقية عند باب المندب فلا يفصل ينهما سوى خمسة عشر ميلاً.

لا جدال في أن العلاقة بين مصر في أقدم عهودها وبين آسيا كانت موجودة، ولكن أقدم ما يستطيع التاريخ أن يتذكره من هذه العلاقة هو ما تم في نهاية عصر ما قبل الأسرات، أي حوالي سنة 3500 ق.م. فالمعروف أن أقواماً ساميين من عرب آسيا غزوا وادي النيل حينذاك، وأخذ بعض التغيير يدخل على الشعب الحامي الجنس الذي يعيش حول النيل ما بين البحر الأبيض وأسوان، والناشيء من طبيعة البلاد نفسها، لأن العناصر الجديدة التي دخلت البلاد كان لها مميزات خاصة تختلف اختلافاً بيناً عن الشعب الأصلي. فقد كانت ذات رؤوس أعرض من رؤوس المصريين أنفسهم. وبالرغم من اختلاف الرأي في الطريق الذي سلكه هؤلاء المهاجرون فإن الأقرب الى الذهن أنهم هبّوا من برزخ السويس، كما فعل العرب فيما بعد في بداية الإسلام، زاحفين من شمال سورية عن طريق فلسطين وسيناء. ولا شك في أن دخول هذا الجنس إلى البلاد قد أتى تدريجياً من غير عنف، وأنهم توصلوا الى الاستيلاء بنجاح على البلاد شيئاً فشيئاً. ويبدو أن هؤلاء المهاجرين كانوا أرقى مدنية من المصريين أصحاب البلاد الذين لم يعرفوا إلا الآلات والأواني الحجرية، فهم قد عمموا لغتهم في مصر، وأدخلوا معرفة المعادن وبخاصة النحاس، كما أدخلوا عبادتهم للأموات وديانتهم وكتابتهم وفنونهم ونظمهم الاجتماعية والسياسية. غير أنه لا يلزمنا أن نبالغ في أهمية انتشار الجنسية الآسيوية في مصر إذ الواقع أن حضارة البلاد من أساسها أفريقية، ويجب أن نتخيل أن النازحين لم يكونوا إلا عدداً ضئيلاً بالنسبة إلى السكان الأصليين، لذلك سرعان ما اختلطوا بهم، واندمجوا فيهم، وتطبعوا بطبائعهم وهكذا نجد اللغة والزراعة والديانة التي نمت وترعرعت في البلاد مصبوغة بصبغة أهلها الأصليين منذ أقدم عهودهم، لم يؤثر النازحون في تغيير شيء كبير منها، بل كان تأثيرهم سطحياً، وبذلك نرجح أنه كان هناك نوع من الغزو الحضاري دون أن يكون هناك غزو مادي. وفي أي حال فإن نهاية هذا الفتح الطويل البطيء كانت على ما يظهر اتحاد كل البلاد من أسوان ألى البحر الأبيض المتوسط تحت صولجان ملك واحد قد اتفقت كل المصادر التاريخية على أنه الملك "مينا"، وظهور المصريين القدماء الذين وضعوا كثيراً من العناصر الأساسية في المدنية.

باتحاد مصر انتقلت من عصر ما قبل الأسرات إلى العصر العتيق أو العصر الطيني، عصر التأسيس والبناء (3200 ق.م.) الذي يشمل الأسرتين الأولى والثانية. ويبدو ازدياد قوة البلاد نتيجة لاتحادها كان له أثره الكبير في البطش بتلك القبائل البدوية التي كانت تغير على البلاد من الغرب أو الجنوب أو الشرق طمعاً في خيراتها، فاستطاع المصريون أن يؤدبوا بدو الصحراء الشرقية وشبه جزيرة سيناء. ذلك بأن الأقسام الشرقية من مصر، ولا سيما المناطق المتصلة بطور سيناء مأهولة بقبائل عربية منذ زمن قديم. وطور سيناء نفسها موطن قديم من مواطن العرب. ومن الجائز أن المصريين قصدوا من كلمة "عمو" التي معناها عندهم بدوي أو آسيوي الأعراب الظاعنين في الأراضي المصرية أو حولها. يؤيد ذلك الرسوم والصور التي عثر عليها في آثار المصريين، ويرى الباحثون أنها تشير إلى الأعراب. وقد كان العرب ينزلون الأرضين المحصورة بين النيل والبحر الأحمر، والمنطقة الواقعة شرقي النيل وجنوبي البحر المتوسط والمتصلة بطور سيناء منذ القديم. فالعرب من قدماء سكان مصر لا كما يتصور بعضهم من أنهم دخلوا مصر في الفتح، وأنهم لذلك غرباء لا صلة هناك بينهم وبين المصريين قبل الإسلام.

انتهى الاقتباس، ولعلنا نستطيع أن نستطيع أن نتساءل هنا عن مدى التقاء هذه السطور مع ما يزعمه الدكتور "أحمد داوود" من أن "مينا" كان "سورياً عربياً". عموماً، هناك أكثر من مصدر تاريخي بين أيدينا يقول لنا بوضوح عن "غزو" سامي شرقي (عربي) في العهد الذي سبق توحيد "مينا" للبلاد. وهذه المصادر تخبرنا أن هذه الشعوب السامية كانت أسمى حضارة وتقنية (أطلس مصر القديمة، أكسفورد، 1991 صفحة 16) من سكان وادي النيل الأصليين، وأنهم سيطروا على حياة البلاد الثقافية والسياسية قبيل توحيد "مينا" للبلاد رغم أن أغلبية الشعب المصري كانت أفريقية، فهل كان "مينا" عربياً؟ وهل كان الفراعنة القدماء العظام من العرب؟ وهل تكون "الحضارة الفرعونية" حضارة "عربية" الأصول في "وادي النيل" قبل 4000 آلاف عام من "السيطرة العربية الإسلامية" على "مصر"؟ قد يكون، إذ ليس هناك ما ينفي هذا ولكن هناك الكثير مما يرجحه كما يظهر !!!

أخيراً، وبصدق، أنا لم أكن أعرف قبل شهر، عندما بدأت بحثي هذا، أنني سوف أصل بهذه الاقتباسات إلى هذه النقطة. ولقد تفاجأت في الأيام الأخيرة عندما كثفت من مراجعتي للمصادر التاريخية، بهذه العلاقة الوطيدة بين "العرب" و"سكان وادي النيل". وهي حقاً مفاجأة سارة بالنسبة لي لأنني مقيم على حب مصر ... مصر العربية .


واسلموا لي
العلماني