[CENTER]أمريكا تفكك أمريكا[/CENTER]
سواء كان يوم 11 سبتمبر بداية "نهاية التاريخ" كما قدمت نظرية فوكاياما ، أو بداية صراع الحضارات كما نظر هانتجنتن فلا شك أن أحداث ذلك اليوم قد أحدثت تغيرات مذهلة في الداخل الأمريكي لم يستطع أي من المنظرين أن يحكم قراءته .
لم يكن ليدور في خلد "الآباء المؤسسين" الذين أسسوا دولتهم طلبا للحرية أن يأتي اليوم التي يعترض مسيرة الحرية عارض ، بل ويجبر أحفادهم علي الخيار المر بينه وبين حرياتهم ... إنه وهم اسمه "الأمن" من "الإرهاب" .
إن المتفحص للداخل الأمريكي لا يخطئ تشخيص الحالة الأمريكية : إنها "أمريكا تفكك أمريكا". و أعمال التفكيك تسير بلا هوادة علي قدم وساق ، أما الساق فهو غول الرأسمالية و أما القدم فهو غول الأمن من "الإرهاب" .
كتب عضو الكونجرس الأمريكي رونالد بول مقالا، قليل الكلمات بعنوان "الاختيار الخاطئ بين الحرية والأمن" ولكنه عميق المغزى في الكشف عن"الوجه الآخر" لأمريكا.
- 2 -
الاختيار الخاطئ بين الحرية و الأمن
رونالد بول
31 مايو 2004
http://www.house.gov/paul/tst/tst2004/tst053104.htm
دأبت الإدارة الأمريكية علي إنذار الأمة بهجمات إرهابية ،مما يعرضنا مرة أخري للوحات الإنذار ذات الألوان (الأحمر والبرتقالي والأخضر) وللتحذيرات المريبة بألا نستمر في حياتنا كما اعتدنا من قبل. لقد أصبحت الرسالة واضحة : خطر ماحق يحيط بنا ، وليس علي المواطن العادي أن يفعل شيئا إلا أن يتوكل علي الحكومة لتتولي الأمر.
ولكن الدرس الذي خرجنا به من الحادي عشر سبتمبر هو أن الحكومة لا تستطيع حمايتنا ، فعلي الرغم من تريليونات الدولارات التي جمعتها الحكومة من دافعي الضرائب ورصدتها لميزانية "الدفاع" فقد طارت طائراتنا المختطفة ، دون تحدى ، في سمائنا ، لتهاجم رمزي الاقتصاد والحكومة (برجي التجارة والبنتاجون) . ومازلنا يقال لنا أن ضعوا ثقة أكبر في نفس البيروقراطية التي فشلت بشكل مزري في 11 سبتمبر ؟
إن الاعتماد علي النفس والدفاع عن النفس هى من الخصال الأمريكية الحميدة ، أما الاتكال الجبان علي الحكومة لحمايتنا ليست من تلك الخصال.
إنه لمن السهل علي الرسميين المنتخبين في واشنطن أن يعدوا الشعب بأن الحكومة ستبذل قصارى جهدها لهزيمة الإرهاب ، ولكن في مقابل حرياتكم ودولارات الضرائب ‘ وليست حريتهم ولا دولاراتهم.
إن تاريخ القرن العشرين ليؤكد أن المخالفات البينة للدستور تزداد حين تحط المصائب ، فالكثير من أسوأ الهيئات والبرامج الحكومية الغير دستورية أسست في زمن الحربين الأولي والثانية وفي زمن القحط عندما أصيبت الجماهير بالذعر وارتأت أن الحكومة هي المخلص والمنقذ . وإنه لمفارقة عجيبة حقا أن كان الدستور ذاته نتاج مصيبة عظيمة ... حين شاءت إرادة المؤسسون أن يحدوا بشكل قاطع ما يمكن أن تفعله الحكومة الفيدرالية حتى في أوقات المحن ، فعلي أمريكا أن تحتاط ضد الأصوات المنادية في محنتنا هذه بمخالفة الدستور – الذي هو كسر القانون – باسم تطبيق القانون .
إن القانون المسمي خطأ باسم "قانون الوطنية" والذي قدم للشعب علي أنه للحماية من الإرهاب ، هو في حقيقته موجه ضد المواطنين الأمريكيين وليس مقصورا علي الإرهابيين الأجانب ، فعلي سبيل المثال لقد وسع القانون تعريف الإرهاب لأغراض جنائية فيدرالية بحيث أن أي حكومة مستقبلية قد تعدك إرهابيا إن أنت انتميت إلى جماعة لتأييد حق حمل السلاح (حق دستوري) ، أو الانضمام لميليشيات وطنية (حق دستوري آخر) أو إلي جماعة من جماعات "حق الحياة (عدم الإجهاض)" (حق دستوري ثالث). وأيضا فإن التظاهر ضد الحكومة (حق دستوري رابع) قد يضعك – بل وعشرات الآلاف من الأمريكيين - - تحت التجسس من قبل الحكومة الفيدرالية ، وبه فإن استعمالك للإنترنت سوف يراقب وسوف تكون الشركة التي تمدك بالإنترنت مجبرة أن تسلم معلوماتك للحكومة دون الحاجة إلي إجراءات قضائية.
إنه لمن أكبر المصائب أن الصلاحيات الجديدة التي حصلت عليها الحكومة لا تمت بصلة إلي الحرب علي الإرهاب. لقد تعاظمت صلاحيات الحكومة للتجسس علي المواطنين ، في حين أن صلاحيات الشعب في محاسبة الحكومة قد تقلص كثيرا ، وهو الأمر الذي حاولت سلطات محلية الوصول إليه عبر السنين لتمارس قمعها السلطوي للشعب الأمريكي ولم تنجح. في نفس الوقت لم تقدم الحكومة الأمريكية أي دليل علي أن فشلها في اكتشاف ومنع ما حدث في 11 سبتمبر كان سببه الحريات المدنية التي سلبتها بهذا التشريع الجديد.
لقد أدرك الرجال الذين أسسوا الولايات المتحدة الأمريكية مبكرا أن خطر الطغيان الداخلي يتساوى مع خطر التهديد القادم من الخارج ، وإن أردنا أن نكون أهلا لمجدهم علينا أن نقاوم الاندفاع إلى تزايد سيطرة الدولة علي المجتمع بكل ما أوتينا ،،، و إلا ستكون حكومتنا أشد خطرا علي حريتنا من أي إرهاب خارجي .