neutral
عضو رائد
    
المشاركات: 5,786
الانضمام: Mar 2004
|
مع أي فريق يقف المسلمون الآن؟
http://www.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=writ1.htm&DID=10030
في أي عصر نحن؟!
بقلم: أحمد عبدالمعطي حجازي
اقتباس:هذه المقالة مقدمة منفصلة لمقالة الأربعاء القادم التي سأعرض فيها رأي فؤاد زكريا فيما يسمي بالصحوة الإسلامية التي يراها فرارا من العصر وهروبا من
مواجهة الواقع, فهي إذن ليست صحوة, وإنما هي غفوة أو كبوة. لأنها تتجاهل الحاضر ومطالبه, وتعيد المسلمين قرونا إلي الوراء, وتفرض عليهم أن يختاروا بين الإسلام والحرية, فإن اختاروا الحرية فقدوا الإسلام, وإن اختاروا الإسلام فقدوا الحرية!
من هنا يكون السؤال عن تصورنا لعلاقة الإسلام بالعصر الحديث, هل نفهم الإسلام علي النحو الذي يتفق مع روح العصر ويستجيب لمطالبه وأمانيه؟ أم نحن نتشبث بحرفية النصوص الدينية ونفهمها كما فهمها أهل العصور الماضية بعقلية زمانهم وبما كان سائدا فيه من أوضاع وأفكار؟
في العصور الماضية كانت المعرفة العلمية متواضعة للغاية, وكانت التفسيرات الخرافية للظواهر الطبيعية والإنسانية هي السائدة. وفي العصور الماضية كان البشر مقسمين إلي ملل ونحل وقبائل وعشائر, وكانت العاطفة الوطنية التي تجمع بين أبناء الوطن الواحد علي اختلاف عقائدهم ومذاهبهم ضعيفة خافتة, من هنا كان التعصب الديني سلوكا سائدا وكان عاطفة محمودة, وكان التسامح قليلا محدودا, وربما ذمه البعض وعده دليلا علي ضعف الإيمان.
وفي العصور الماضية كان البشر مقسمين أيضا إلي رجال من ناحية ونساء من ناحية أخري, أحرار وأرقاء, مؤمنين وكفار, لأن البشر في العصور الماضية لم يكونوا متساوين, المرأة لم تكن تساوي الرجل, لأنها في نظر القدماء جسد بلا عقل, أو جسد بنصف عقل, ولذلك فهي عورة كلها!
والعبد لايساوي الحر. لأن العبد متاع يستثمر ويستعمل. الرجل للسخرة, والمرأة للاستمتاع. والعبد وما ملكت يداه ملك لسيده! والكافر, أي المنتمي لغير الديانة السائدة, لايساوي المؤمن بهذه الديانة التي هي وحدها الحق. فكل من لايؤمن بها كافر, أي أن عقله محجوب مغطي بما يحول بينه وبين إدراك الحقيقة!
في ظل هذه الأوضاع التي سادت في العصور الماضية كان من الطبيعي أن يخلط الناس بين علوم الدين وعلوم الدنيا, وأن يلجأوا لرجال الدين أحيانا, وللسحرة والمشعوذين أحيانا أخري يستفتونهم في كل شيء, في الطعام والشراب, والملبس والمسكن, والحرب والسلم, والسفر والإقامة, والطبيعة والفلك, والجغرافيا والتاريخ, والزراعة والتجارة.
وكان من الطبيعي أن تكون النظم السياسية السائدة نظما دينية مستبدة يقوم عليها أمراء وملوك وأباطرة, وبابوات وكرادلة, وأئمة وشيوخ, وخلفاء وسلاطين يرفعون راية الصليب أو راية الهلال أو أية راية أخري, ويزعمون أنهم ظلال الله علي الأرض, وأنهم يحكمون بتفويض منه, وبالنيابة عنه. فليس من حق أحد أن يخالفهم أو يعارضهم أو يحاسبهم.
وفي ظل هذه الأوضاع لم يكن للإنسان الفرد وجود, لأن الإنسان الفرد هو الإنسان الحر الذي يفكر لنفسه ويختار لنفسه, فمن حقه إذن أن ينفرد بوجهة نظر مستقلة, ومن حقه أن يتفق مع غيره ويختلف, أن يؤيد الحاكم ويعارضه. وهذا حق لم تكن المجتمعات القديمة تتقبله أو تعترف به, بل تعده تمردا وعصيانا وخروجا عليها, لأنها مجتمعات أبوية تقوم علي السلطة المطلقة للأب أو لشيخ القبيلة أو للأمير الذي يبسط سلطانه علي أتباعه أو رعاياه, ولايسمح لفرد بأن يتميز أو يستقل.
وكما كان الإنسان الفرد غائبا لا وجود له في ظل هذه الأوضاع, فالإنسانية كلها مفهوم لاوجود له. لأن البشر في العقلية القديمة ليسوا جنسا واحدا, وإنما هم دماء مختلفة, وأجناس وألوان شتي, وديانات ومذاهب متصارعة, وإذن فالإنسان ليس واحدا, والحق ليس واحدا, والعقل ليس واحدا, والمصلحة ليست واحدة, والفضيلة ليست واحدة. والحياة البشرية كلها صراع عنيف, والسيف وحده هو الحكم.
ولاشك في أن الديانات السماوية وغير السماوية تصدت لهذه الأوضاع الظالمة وسعت للحد من شرورها. لكن الدين كان هو ذاته ساحة حرب وصراع بين فريقين: فريق يشده لمساندة الأوضاع القديمة التي وصفناها, وفريق آخر يريد أن يجعله جسرا من جسور الإنسان إلي مستقبل أفضل ينعم فيه الناس بالأمن والحرية والرخاء والسعادة.
ولقد استطاع الإنسان أن يخطو خطوات واسعة في طريقه إلي هذا المستقبل المنشود كما نري في المجتمعات الحديثة المتقدمة, وأن يكتشف الكثير مما كان يجهله في الطبيعة وفي المجتمع وفي نفسه, وأن يسخر علمه لسد حاجاته والوفاء بمطالبه, وأن يرفع راية العقل والحرية, ويقيم نظما ديموقراطية تحترم حقوقه وتلبي مطالبه, فمع أي جانب يقف المسلمون اليوم, وإلي أي عصر ينحازون؟ للعصور الماضية, أم للعصور الحديثة؟
الواقع الذي نلمسه جميعا هو أن المسلمين لايزالون منقسمين: فريق يشد الإسلام إلي الوراء, وفريق يحاول أن يدفع به في اتجاه العصر. الأول يعتبر كل ماحققته البشرية في القرون الأخيرة ابتعادا عن الدين, ويسمي العصور الحديثة جاهلية لايخرج منها بالطبع إلي مابعدها كما فعل المسلمون الأوائل, وإنما يخرج منها إلي ماقبلها. لأن المزيد من التقدم بالنسبة له مزيد من البعد عن الإسلام الذي يجب أن نتقهقر حتي نجد أنفسنا في عصوره الذهبية!
والفريق الآخر لاينكر أن الإسلام حقق الكثير في العصور الماضية, لكنه يري في الوقت نفسه أن هذه العصور الماضية كانت عامرة أيضا بالطغيان والاستبداد, والظلم والقهر, والعنف والقسوة, والاتجار في البشر, والتعصب والتزمت, واضطهاد المخالفين من المفكرين والشعراء والعلماء والفقهاء. وعلي المسلمين المعاصرين إذن أن يجتهدوا في فهم دينهم فهما جديدا يتخلون فيه عما فرضته العصور الماضية وأوضاعها المتخلفة وثقافتها المتحجرة, ويستنيرون بما حققته الانسانية في عصورها الحديثة, حتي لايكون تناقض بين الإيمان والعقل, أو بين الإيمان والحرية, أو بين الإيمان بدين بالذات والانتماء للبشر جميعا علي اختلاف ثقافاتهم ودياناتهم, والنظر إلي هذا التعدد والاختلاف باعتباره شرطا للتواصل والتكامل, وليس سببا للكراهية والعدوان.
والسؤال من جديد: مع أي فريق من هذين الفريقين يقف المسلمون الآن؟!
|
|