اختناق!


لم تعتد أن تهتم بنجوم المجتمع، فكانت تمر عن أخبارهم بسرعة دون أن يستوقفها أي اسم أو أية صورة.

وهكذا حتى بدأ يستوقفها اسمه، وبدأ اهتمامها به بخبر نشر عن تبرعه بمبلغ سخي لإحدى الجمعيات الخيرية. ثم سمعت أنه ألقى محاضرة عن تجربته المهنية في أحد المراكز الثقافية المرموقة. ثم قرأت خبرا عن تشجيعه للمبدعين الشباب.

وتتابعت أخباره، غادرنا فلان... عاد فلان، أصيب فلان بوعكة صحية... فأحست بما يشبه القلق، لكنها سرعان ما اطمأنت حين لمحت خبرا عن افتتاحه لمعرض فني بعد يومين!.

وذات يوم لمحت صورته، كان يبدو في عمر النضوج، عينان عميقتان، وابتسامة تنم عن طيبة، وجبين يوحي بالنبل... فقالت في نفسها: يبدو أن الصحافة لم تعط هذا الرجل حقه، فما تراه في ملامحه هو أكثر بكثير مما يكتبونه عنه، إنه رجل حقيقي في عالم تشح فيه قيم الرجولة كل يوم، إنه بقايا الأصالة التي أذابتها المدنية الحديثة، إنه الفارس في عالم يموج بالخنوع...

ولم تنتظر طويلا لتخترع سببا وجيها يبرر زيارتها له... كانت مدفوعة لأن تعبر له عن احترامها الشديد وإعجابها بكل ما يقدمه للآخرين. وخفق قلبها وهي تسأل نفسها عما إذا كانت قادرة على لجم مشاعرها. وعما إن كانت لديها تلك القدرة الاستثنائية على تحديد المسافة الحرجة بين الإعجاب المحايد... والانجذاب المربك!.

وفي اليوم الموعود توجهت إليه بعد تأمل وتفحص مطولين لهيئتها، فقد وجدت نفسها تهتم بكل التفاصيل ''ليس من السهل ترك انطباع مؤثر في رجل متميز مثله''، هذا ما قالته في سرها.

ودخلت المبنى بخطى مضطربة، فوقفت أمام المصعد بأنفاس لاهثة متمنية لو أن في المصعد مرآة لتلقي نظرة أخيرة على شكلها قبل مواجهته. وتم لها ما أرادت. إلى أن وجدت نفسها أمامه أخيرا، في مكتب عابق برائحة سيجار ممزوجة برائحة عطر رجولي ثقيل.

وأفاقت من ذهولها على صوته، كان يتكلم، ولم تكن تفهم ماذا يقول، فقد أخذت بتصميم المكتب، لوحات تجريدية ذات إطارات ذهبية ضخمة، منافض كريستال، سجاد ثر احتوى قدميها المضطربتين بنعومة وبذخ. وأخيرا، مقاعد جلدية واسعة وجدت نفسها تغوص بسخف في إحداها.

وبقي يتكلم، فقال أشياء عن رحلاته ومسؤولياته، ودرجته العلمية، وعن إزعاجات الصحفيين وملاحقتهم له، وعن كثرة الاجتماعات واللقاءات، ثم وجدته يناولها فجأة رقم هاتفه الخاص وهو يقول: ''بالإمكان أن تطلبيني على هذا الرقم مباشرة دون وساطة قسم السكرتاريا هنا''.

ووجدته يتابع حديثه ببساطة بعدها... لكنها لم تعد تفهم ما يقول!.

وحاولت مقاطعته غير مرة ليأذن لها بالانصراف، ولم ينته، إلى أن اضطرت للوقوف والتوجه نحو الباب، فصمت أخيرا، وودعها وهو يذكرها برقم هاتفه الخاص!.

وهرعت إلى الخارج، فوجدت نفسها أمام المصعد- من جديد لكنها لم تجد مبررا لاستعماله هذه المرة، بل انطلقت على الأدراج دون أن تعلم كيف تفسر مشاعرها، كانت تشعر بالراحة... أم بالحزن... لم تعرف، كل ما عرفته هو حاجتها الماسة إلى الهواء النقي!

د. لانا مامكغ