التناقض هنا هو لجوء الخطاب الإسلامي إلى مصطلحات لا يؤمن بها مثل "الحرية الشخصية"و "الديموقراطية" وما إلى ذلك...أنا أفهمها هكذا...
مثلما ينادي الإسلاميون الحكومات، العربية منها والغربية، اليوم بالديموقراطية وهم يجحدونها في أنفسهم..
وعن أحمد عبد المعطي حجازي أنقل قصةً طريفة عن الديموقراطية.. تعطينا فكرةً توضيحية عن المعسكرين المقابلين...الصراع بين الإسلاميين والحكومة صراع سلطة أما الصراع بيهم وبين التنوير في مجتمعاتنا هو صراع وجود حقيقي...يسبق أي صراع وجودٍ أخر...


بعد ثورة‏1919‏ فقد انتزعت مصر استقلالها من الانجليز وانتزعت دستورها من الملك فؤاد ودعت للانتخابات التي خاضها زعماء الثورة ومفكروها وفي مقدمتهم أحمد لطفي السيد المفكر العقلاني ومترجم أرسطو ورئيس تحرير جريدة‏'‏ الأمة‏'‏ ورافع شعار الدولة الوطنية التي تقوم علي وحدة المصالح لا علي وحدة الدين‏.‏ فالمصريون مصريون لأن لهم مصالح مشتركة تفرض عليهم أن يعيشوا معا مستقلين عن الانجليز الذين يدينون بالمسيحية وعن الاتراك الذين يدنيون بالاسلام‏.‏ وكما لا يحق للمسيحيين المصريين أن يدافعوا عن الاحتلال البريطاني لمصر فليس يحق للمسلمين المصريين أن يدافعوا عن السيادة العثمانية علي مصر أو يخلطوا السياسة بالدين وبوحي من هذه الافكار النيرة اشتعلت الثورة وحققت ما حققته من انتصارات وأجريت الانتخابات التي تحمس لخوضها أحمد لطفي السيد فرشح نفسه في إحدي الدوائر أمام مرشح آخر لم يكن يستطيع أن ينافس أستاذ الجيل إلا في شئ واحد هو القدرة علي مخاطبة العوام ومداعبة عواطفهم واثارة مخاوفهم مما يحمله لهم هؤلاء المثقفون الذين يدينون بأفكار خطرة تخالف الشريعة الاسلامية وتتناقض معها‏(!).‏ وقد زعم هذا المرشح المنافس للناخبين البسطاء أن الاستاذ أحمد لطفي السيد ديموقراطي والديمقراطية عقيدة افرنجية تخالف الاسلام وتدعو للاباحية‏.‏ وما علي الناخبين الكرام الا أن يسألوا الاستاذ أحمد لطفي السيد في هذا ويتأكدوا من الحقيقة بأنفسهم‏.‏ وقد كان حين وصل موكبه ليلتقي بالناخبين ويستمع لمطالبهم ويشرح لهم برنامجه اذا سأله أحدهم‏:‏ هل أنت صحيح ديموقراطي يا سعادة البيه وأجاب استاذ الجيل بحياء وفرح‏:‏ نعم أنا ديموقراطي‏!‏ فبهت الحاضرون وأخذ بعضهم ينظر الي بعض وقد تأكدوا من ثبوت التهمة ثم انسلوا واحدا بعد الآخر ليعطوا أصواتهم يوم الانتخابات للمرشح الآخر الذي ألحق بلطفي باشا هزيمة نكراء‏!‏