اقتباس:أصدق شهادة هنا وهناك في البلدية الفرنسية، في وزارة الخارجية، أتدافع لدائرة رسمية وأنا أحس مسبقاً بالحنين لوطني الثاني .. أفكر بأنها آخر مرة سأرى بها هذا المكان أو ذاك، أحن منذ الآن لما سيمضي.
التوتر على أشده وخسرت "كذا" كيلو خلال أيام معدودات، تعيدك سفارة بلادك حين تزورها للماضي، تحس فيها أن الزمان توقف وأن لا شيء تغير، هناك حرارة الشرق وأيضاً "بيروقراطية" العالم الثالث التي تستفزك، الوقت يمضي على وتيرة مختلفة في الشرق، كالشعر العربي لا تعرف حين تسمعه لأي عصر ينتمي، جاهلي أو أموي أو عباسي أو حتى حديث. تتشابه الأزمنة كلها في بلادي.
يخبرني أخي بأنه مضطر لإغلاق مسنجره فالكهرباء ستنقطع .. تنقطع؟ هكذا كان وبقي الوضع فيها بلادي التي ليست ككل البلاد.
أتطلع حولي وأصمت .. أصمت .. ثم أغني وأدندن لكيلا أسمع صوت أحشائي الداخلية، ولكيلا أسمع نبض قلبي، ولكني أتذكر أهلي وأحبتي وحرارة الناس، أتذكر بخلل ما أيضاً تدخلهم السافر بكل تفاصيل حياتي .. ولكنهم يبقون معك يساندونك بكل لحظة تتألم بها. لكن من يساندك في الغربة؟
ما نفع حريتي يا تماثيل الحرية دون جذوري ودون ضحكة حقيقية تقهقه وتخرج من القلب في سهرة سمر؟
ما نفع حريتي الجنسية، إن كنت أشاطر السرير امرأة تائهة تتقاسمه مع غريب لأيام معدودات ثم تمضي أو أمضي، ونتوه في ساحات الإثارة المغمسة بالهباء.

طارق:

من الطبيعي جداً أن الشباب هنا سيدعمك مائة بالمائة على خطوة الرجوع لأرض الوطن في الوقت الذي يحلم فيه الآلاف بالحصول على واحد في المائة مما هو لديك في فرنسا.

ولكن يا طارق.. ومع احترامي الكامل لمشاعرك وحنينك الطبيعي جداً للوطن.. هل تعتقد أنك فعلا ستندمج مع المجتمع السوري من جديد؟ حشرية الناس وفضوليتهم يا طارق؟ حريتك وأنت تقدس الحرية؟

ليست مسألة حرية جنسية يا طارق بل الحرية الجنسية ما هي إلا وجه واحد من وجوه حرية الإنسان أن يفعل/ تفعل بجسده/ بجسدها ما يشاء.

نعم يا طارق.. الناس في الشرق تضحك ولكن في وجهك وأمامك بكلام ومن وراك في غيابك بكلام آخر. هذه هي الحقيقة.

حزر معي أول سؤال سيخطر ببالهم عند رجوعك؟

ج: قديش مصاري جاب معه من فرنسا. وين الهدايا؟ إلخ.

وتشابه الأزمنة كلها في بلادك أو بلدي مصر ليس شيء جميل جداً يا طارق. الحياة في صيرورة ولابد للخطو للأمام. ناس محلك سر ستعيق حركتك. أنت إنسان ديناميكي. سوريا راح تشلك... مع احترامي لك ولبلدك الأم ولكنها كأي بلد في الشرق يسير على وتيرة بطيئة جداً. وأنت لن تصنع لك هناك عالم على مزاجك بل أنت جزء من المنظومة الجماعية....

ما المانع أن تزور سوريا لشهر أو شهرين ثم ترجع إلى فرنسا؟ رجاء لا تتسرع. أغلب من هاجروا مثلنا لم يقدروا أن يعيشوا كما كانوا من قبل...

لا أنا ولا أنت الآن وأمثالنا كما كنا من قبل. نحن جنس آخر تماماً... لا نحن عرب ولا نحن فرنسيين أو أميركان... وبالتالي العودة من جديد للشرق ومحاولة إقناع نفسك إنك طارق الذي كان هو بصراحة .....وهم. تغيرنا كثير يا طارق وتغيرت فينا أشياء كثيرة. لا أقدر أن أتصور أني مثلا أرجع إلى مصر ويقابلني صول بالشرطة ويقول لي: فين البطاقة بتاعتك يابن القحبة؟ كرامة الإنسان في بلادنا يا طارق فحدث ولا حرج. يضطروننا للنفاق فنظهر شخصية بخلاف ما نحن عليه في الحقيقة.

الحرية لا ثمن لها يا طارق... أحياناً تستحق التضحية.

هل في سوريا سيقدسون فرديتك مثلما تعودت أنت لسنين وسنين في فرنسا؟

عندك الدكتور لؤي.. تحدثت معه؟ هو سيفهم أكثر مني ومن أي واحد/ واحدة مقيمة بالشرق. وإنسان أحترمه بشدة وتقريباً يمزج الشرق والغرب في شخصيته.

ما أتمناه أن تستقر عائلياً ومع شابة سورية تشعر معها بالانسجام التام ويكون لك بيت وتستعد لاستقبال الحياة في عهدها الجديد: الأربعين فما بعد..

بون سوار أو بون جور عزيزي طارق.