عزيزي يجعله عامر :
أنا أعيش في بيئة لا تصوم ... وبالتالي لست مجبراً على نفاق أحد .
لكني بالحقيقة جربت مختلف أنواع الصوم الإسلامي والمسيحي وغيرهما من باب العلم بالشيء والتجربة ...
وكون موضوعنا هو صيام رمضان ... سأتكلم عن تجربة الصوم بشكل عام ومن ثم أعرج إلى رمضان ..

الصوم في مختلف الحضارات كان هدفه الارتقاء الروحي ، أي محاولة السيطرة على الجسد لصالح اعتقادات ما ورائية تختلف باختلاف العقيدة ، وبغض النظر عن اتفاقنا مع هذه الاعتقادات أو لا ، فإن ما يهمنا هي عملية السيطرة على الجسد .

مشكلة الصيام الإسلامي كونه نسخة غير ناجحة للصيام العقائدي القديم ، يصبح ليس صياماً بالمعنى الصحيح للكلمة ولكنه نقل مشوه لفكرة الصيام .
فالصيام الإسلامي ليس سوى عملية تأجيل لمواعيد الطعام والشراب وخلط غير صحيح في الأوقات ، ومهما حاول أصحاب الإعجاز العلمي من ابتداع أسباب أو تبريرات لفوائد الصيام على الطريقة الإسلامية ، سيعرف أي إنسان سوي ويتمسك بالمنهج العلمي أن هذا النوع من الصيام خاطئ ، فالامتناع عن الطعام والشراب في النهار والإقبال عليهما طوال الليل ، كعملية السهر في الليل والنوم في النهار ليست أكثر من مخالفة للطبيعة .

لقد مارست هذا الصيام ولكن بطريقة أصعب من المسلمين العاديين ، أي أنني غالباً ما كنت أتأخر عن موعد الإفطار المعتاد بساعة أو ساعتين أحياناً ولا مشكلة لدي في هذا ، وكنت أمتنع عن تناول الطعام في منتصف الليل ، أي أنني كنت أتناول خلال اليوم كله وجبة واحدة وتكون عادية وخفيفة غالباً . مع المحافظة على نسبة معينة من السوائل لا تزيد ولا تنقص أثناء فترة الإفطار . طبعاً لا أقوم بالتسحر لأن السحور هو ما يصعب على الصائمين يومهم ويجعله كدراً ...!!
و كان المحيطين بي في العمل والبيت يلاحظون أني لا أصاب بحالات الهستيرية التي يصاب بها الصائمين العاديين وإلا ما فائدة الصيام من الناحية النفسية ؟! ، وساعات عملي كنت أزيدها محاولة مني لكسب التحدي مع جسدي بعكس الصائمين العاديين .

طبعاً خرجت بمجموعة استنتاجات من خلال صيامي لرمضان :

1– كوني مُقِّل في تناول الطعام بالحالة الطبيعية فالصيام أمر سهل وسهل جداً .

2- الصيام على الطريقة الإسلامية لا يضر ولا ينفع جسدياً أو روحياً بالنسبة لي ولكنه ليس أكثر من تأجيل لمواعيد الطعام والشراب ، طبعاً لا تستطيع الجزم بعدم ضرره على الأناس العاديين والمرضى ... إلخ .

3- صيام رمضان هو عادة اجتماعية وليست روحية بأي شكل من الأشكال ، فتلاحظ عملية النفاق الممارسة من قبل الصائمين وهم لم يغيروا عاداتهم ، وتلاحظ زيادة منسوب ما يسمى "بالإحسان" المتمثل بالموائد الرمضانية التي هي ليست أكثر من عملية اجتماعية تبشيرية على الطريقة الإسلامية ، بينما ينسى المتدينين أنه لدينا أحد عشر شهراً باقين ، حبذا لو أطعمنا اليتامى والمساكين وعابر السبيل في هذه الأشهر الطويلة ، كما انك تلاحظ أن رمضان هو شهر للطعام وليس للصيام حتى أني أستغرب دائماً لماذا في التلفزيونات يصورون في رمضان الطعام باستمرار ...؟!

طبعاً لن أسوق هنا استنتاجاتي وانطباعاتي عن شهر رمضان من الناحية اللاهوتية فهو ليس موضوعنا ..

أما استنتاجاتي من الصيام المتنوع الذي كنت أقوم به هو :
الصيام الحقيقي هو القدرة على الامتناع عما تحب من طعام وشراب وعادات ولمدد طويلة ...
أي على سبيل المثال كنت ألاحظ أني أحب نوع معين من الطعام ولدي هاجس معين مرتبط به من ناحية معينة ، فكنت أبدأ التخفيف منه تدريجياً لكي لا تكون عملية صادمة للجسد ومن ثم أقطعه نهائياً لمدة قد تطول لشهور أو سنوات ... ومن ثم أعود لكي أتناول هذا الطعام تدريجياً كي أثبت لنفسي بأني لست عبداً لهاجس مرضي معاكس ...
وكذلك الشراب والعادات ... يعني العملية في جلها هي محاولة السيطرة على الرغبات لا أكثر ...
وكل ما يخالف هذا النوع من الصيام ، كالصيام عن أنواع معينة من الطعام (إذا لم يكن السبب مرضي) أو الصيام في مدد وأوقات محددة من السنة ، هو صيام عقائدي لا غير .. !!

آسف على الإطالة