ألم تتقبل نفس تلك الشعوب و المجتمعات خلال القرن العشرين العلمانية بكل سعة صدر؟
الم تكن الجماهير تموج بالدعم للتيارات العلمانية من قومية و يسارية و اشتراكية و ناصرية و تحررية ووحدوية؟
الم يكن زعماء تلك التيارات و مفكريها العلمانيين قادة في مجتمعاتهم و رواد الاصلاح و التنوير و التحرير في اوطانهم؟
الم يتغير كل ذلك حالما ضربت تلك المشاريع التحررية على يد الامبريالية بالتعاون مع الصهيونية و بعض الانظمة الرجعية الخليجية؟
ما كان حدث لو ان الغرب مثلا دعم و ساند المشروع الناصري و سمح لوحدة عربية قائمة على اسس قومية علمانية و نهضة اقتصادية صناعية حقيقية؟
في اسوأ الحالات كنا لنكون اليوم كبعض أوروبا الشرقية كالبلقان او جمهوريات الاتحاد السوفياتي في آسيا الوسطى.....
انا انتمي لعائلة ناصرية تاريخيا و علمانية حتى ما قبل الجيل الحالي..... و الى الان, عندما ابحث في مكتبة بيت جدي اجد الكتب و المنشورات العلمانية و التي كانت تفاخر بأمور حتى الان لم يعد احد يتذكرها كنسبة محو الامية بين النساء و دخول النساء عالم الصناعة و الهندسة, و مدى التسامح العقائدي التعرف الى ايديولوجيات و عقائد العالم , حتى ان مناهج التعليم الجامعي كانت تحت سلطة الشيوعيين مثلا و كان على الطلاب مقررات لا تستطيع اليوم ان تنشرها في الجرائد, و الجيلين الاول و الثاني من عائلتي كانوا بمعظمهم علمانيي التوجه, ملحدين او غير متدينين , بعضهم ناصري و بعضهم قومي سوري او شيوعي او اشتراكي او بعثي او فتحاوي (وصل الامر بأحدهم ان ينخرط بمجموعة تتبع عقيدة كيم ايل سونغ زعيم كوريا الشمالية

)
اما اليوم فمعظم من هم في جيلي تجدهم اكثر تدينا من ابائهم و اجدادهم, و الصراع بينهم معكوس بالنسبة للدين.....
و مثال آخر تركيا.....
الم يلتف الشعب التركي حول كمال اتاتورك لانه كان بطلا قوميا حارب الاستعمار وانقذ وطنه من الذل و الهزيمة؟
لو عمل الغرب على ضرب اتاتورك و افشال مشروعه و سمح بدلا عن ذلك بنشوء لتيارات اسلامية لتستلم لواء تحرير تركيا و محاربة الاستعمار و الدفاع عن مصالحها, الم يكن الشعب التركي ليلتف تلقائيا حول تلك التيارات؟
ماذا لو كان اتاتورك علماني لكنه مجرد بوق للاستعمار (كحال علمانيي و ليبراليي هذه الايام) و من دعاة التحالف مع الاستعمار البريطاني و اقامة قواعد حماية اوروبية على الارض التركية؟ الم يكن الشعب التركي ليبصق عليه و على مشروعه و ينبذه تماما كما تنبذ الشعوب العربية اليوم علمانييها؟
ما اريد ان اقوله هو ان للشعوب آمال و تطلعات و قضايا ....و أي مشروع او امل او نجاح يلاقي تلك الامال و الطموحات و يحاكيها فان الشعوب ستحتضنه و تتبناه, سواء اكان ذلك المشروع دينيا ام علمانيا شرقيا او غربيا, شماليا او جنوبيا ...
ماذا عند علمانيي العرب هذه الايام (الليبراليين و المعتدلين منهم بالاخص) ليقدموه كبديل -باستثاء التبخير لمشاريع بوش و التخويف من البعبع الايراني و الكتابة في جرائد آل سعود؟