المفروض نظل اعيد ونزيد، ورب وزيت وزيت ورب، هذا الموضوع ناقشناه قبل، وكنت على ما أظن آخر المداخلين فيه، فسبحان من يحي العظام وهي رميم!

فلسفة العقوبات في الإسلام على أنها زواجر جوابر، أي أنها تزجر الغير عن فعلها، وتجبر ذنب فاعلها فلا يعاقب عليه يوم القيامة. وهي على عدة أنواع:

1- الحدود: وهي الذنوب التي هي حق لله تعالى، فلا يملك أحد من الناس العفو عنها إن ثبتت لدا السلطان، وعقوبتها مقدرة شرعا، فلا يجوز تغييرها ولا تعديلها، ولا الإنقاص من مقدارها ولا الزيادة فيه. وهي على ماوردنا: حد الردة، حد السرقة، حد الحرابة، حد الإفتراء، حد الزنا، حد الشرب. والأصل في الحدود أن تدرأ باي شبهة ولو ضئيلة تخطر على باب القاضي أو المذنب أو أي من الحضور في المحاكمة. ذلك أن الحدود لا تكون إلا للصورة القصوى من الذنب الواحد.

2- القصاص: وهي الذنوب التي تقع بين العباد فيما هو حق لهم على بعضهم، والأصل فيها أن النفس بالنفس، والجروح قصاص. وهي على ثلاثة أنواع:
أ- قصاص القاتل العمد: وفيه القود، أن يقتل القاتل بمعرفة وحضور ولي دم القتيل إن رغب. ويحق لولي الدم أن يعفو عن القود ويأخذ الدية المغلظة على القاتل، وهي مفصلة لأهل الإبل أو لأهل الذهب في كتب الفقه لمن أراد النظر. ويحق لولي الدم أن يعفو عن الدية أيضا إن أراد.
ب- قصاص القاتل الخطأ أو شبه الخطأ: وفيه الدية على العاقلة مؤجلة على ثلاث سنين، ويحق لولي الدم أن يعفو عن الدية.
ج- قصاص الجراح: وهو تعطيل عضو أو قطعه وفيه الدية أو نصف الدية أو الحكومة، حسب العضو إن كان واحدا أو اثنين أو أكثر، أو كان عطله كليا أو جزئيا.

3- التعزير: وهو ما نص الشرع أن فيه عقوبة غير مقدرة، فيحق للقاضي أن يناسب بين الذنب والشخص والعقوبة، فلا يعاقب من ليس له سوابق كمن اعتاد على الذنب، ولا يعاقب بالمال من لا يتأثر بنقص ماله، ولا بالسجن من لا يهتم بذلك. والعقوبات التي تتناسب مع الذنب تكون مما يلي:
العفو، التوبيخ، التشهير، السجن، الضرب دون الحد، الغرامة المالية، القتل. وهو يقع فيما دون الحد من الذنوب.

4- الكفارة: وهي فيما يذنبه العبد بينه وبين ربه، فيما كان منصوصا عليه الكفارة، وتكون بعتق الرقبة إن وجد، أو بإطعام المساكين، أو بالصيام.

5- التوبة: وتكون فيما لم ينص عليه الشارع أن له عقوبة دنيوية من الذنوب كحد أو تعزير أو كفارة أو قصاص.


ولا يعني أن الذنب ليس له حد أنه مباح، لا يقول ذلك إلا من جهل الإسلام كله. فهذا أكل الربا لا حد فيه، إلا أنه أكبر من الزنا، ومثله أكل مال اليتيم. وهذه الغيبة والنميمة من الذنوب العظام، إلا أنه يكتفى فيهما بالتوبة ما لم يقترنا بقذف الأعراض.

ثم يأتينا امرؤ وأخاه زاعمين أن نكاح البهيمة مباح في الإسلام لعدم ورود الحد فيهما، وما أدراهما أن عدم ورود الحد يعني الإباحة؟ وما أدراهما بما معنى الحد. هذان بين رأيين فيهما، إما أنهما يعرفان ما هو الحد، فيكون عملا تدليسيا المقصود منه صرف الناس عن دين الله، أو أنهما يفتيان بجل منهما، فيضلان ويضلان عن سبيل الله.

نقول لمن سمع الكلام، اتق الله عز وجل، فإنك لا بد آتيه وحدك فردا، وإنه سائلك عما أذنبت بحقنا، فلا والله لا نحلك منه، ولتنظر كيف ينجيك دم المسيح من ذنبك في حقنا. فلم يردك وإياه في كتابكما ما يبيح أن تفتيا في أمر الغير بدون علم أتاكما، وإن كنتما تعلمان فلم يسمح لكما فيما نعلم أن تذكرا نصف الحقيقة لتطمسا بها الحقيقة كاملة. والنزاع الذي قد أقمتماه ليس في ورود الحد لناكح البهيمة من عدمه، بل في حرمة الأمر، بغض النظر عن ورود الحد عليها.

(ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون)
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ*)
(يا اهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وانتم تعلمون*)
(قل يا اهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من امن تبغونها عوجا وانتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون*)