لم ادخن في المدرسة ولا بالجامعة ولا بعد التخرج ، لكن لظروف السفر وحياة العزوبية صرت مدخناً.
في الحقيقة انا طوال حياتي كنت اسخر من المدخنين و اضحك علي الشخص الغبي الذي يفعل شيئا ليس له اي فائدة بل يضر ، عداك انني درست اضرار التدخين والامر لا يحتاج الدخول لكلية طب لمعرفتها ، فليس سراً الان ان التدخين يسبب امراض القلب والاوعية الدموية والسرطانات بانواعها لكني رغم هذا اكتسبت العادة عند اول اختبار وصرت مدخنا مثلي مثل اي جاهل احمق اخر.
المثير للسخرية انني وانا اخد اول سيجارة وبعد شعرت باحتقان للحلق يشبه احتقان الحلق الذي اشعر به عندما اصاب بالبرد ، هذا الشعور بالاحتقان ظللت انتظر ان يذهب ولكنه لم يذهب! فالاحتقان ظل موجوداً بما انني اعرض الاغشية المخاطية لمادة مضرة باستمرار ، لكن ماحدث هو ان شعور المرئ بالاحتقان هو الذي يذهب ، وحلق المدخن يظل في ( افضل حالاته ) اقل من حلق شخص غير مدخن مصاب بالبرد.
الحقيقة انه بالتدخين قلت ثقتي بنفسي كثيراً وبل قل ايضاً ايماني بنفسي ، وكنت اقول لنفسي انني لم اكن مدخنا فقط لان البيئة التي كنت فيها هي التي كانت تمنعني ، واني شخص عديم الارادة! وحاولت التوقف ولكن الامر كان صعباً ، الشعور بان السماء-سوف-تنطبق-علي-الارض-اذا-لم-تدخن-سيجارة-الان هو ليس بالسهل ابداً .
حاولت لاكثر من ستة اشهر ، جربت كل الطرق المساعدة (الشوينجام ، الباتشز ، الرذاذ ) وهي تعطي نتيجة جيدة جداً في الاقلاع عن تدخين السجائر ولكنها لاتعطي اي نتيجة في التوقف عن الرغبة في السجائر ، وما يحدث هو ان المرئ سيعود للسجائر بالنهاية لسبب انها ارخص طريقة للحصول علي النيكوتين.
الحقيقة انني فكرت في الامر بطريقة خاطئة ، فصحيح ان المسألة مسألة ارادة ، ولكنني لم اكن منتبها ان الوصف الدقيق لحالتي هو مدمن نيكوتين ، كلمة "مدخن" هي كلمة مضللة وغير حقيقية بمعني انها لاتصف الجزئ الاهم في الحالة ، فان تشد نفس من سيجارة ليس هو اسؤ شئ حصل لك ، اسؤ شئ حصل لك هو اختطاف جهازك العصبي المركزي من قبل مادة مثيرة للادمان تروجها شركات عابرة للقارات وبسعر رخيص ،فالنيكوتين في الحقيقة هو مادة مدمنة مثله مثل الهيروين والكوكايين.
ليس هذ ا فقط ! في الحقيقة هناك نوعان من الادمان ، نفسي وجسدي ، النفسي هو ادمان شئ لانه يسبب لك راحة نفسية والجسدي هو ان تعتمد عمليات الايض في جسمك metabolism علي مادة خارجية لاداء وظائفها الطبيعية، اللذيذ فعلا هو ان النيكوتين يسبب النوعين معاً النوع النفسي والنوع الجسدي (ياحلاوة).
وشعور "السماء سوف تنطبق علي الارض" هو بالحقيقة تعبير من جسمك انه يحتاج المادة التي يعتمد عليها لاداء وظائفه الحيوية الاساسية (عداه العيب برضه )، تماما كما ياتي مدمن الهيروين في الافلام يطلب جرعه من تاجر المخدرات القاسي الذي يتاجر بمعاناة المدمن .
مشكلة النيكوتين هو انه يسبب النوعين من الادمان ، ففي اول 48 ساعة من الامتناع عنه ، يتوقف الجهاز العصبي المركزي عن العمل بشكل جيد لانه كما قلت هو صار الان يعتمد علي النيكوتين في عمله .
وبعد هذا ، يظل المرئ يرغب في السجائر ، لانه علي ما يذكر ان السجائر كانت "تريحه" عندما يشعر بانزعاج ، وهو امر صحيح ، فالسجائر تريح الشعور بالانزعاج ، لكن تكملة العبارة هي ان السجائر تزيل الشعور بالانزعاج التي يسببه الابتعاد عنها ! هناك قوس انفعالي "غبي" ينشأ عند الانسان بان السجائر تريح وبالحقيقة هي لاتريح ولاشئ لاننا غير مجبرين علي دخول الديلما دي من الاساس .
بعض الناس يظن ان هناك فوائد للنيكوتين ،مثلا يجعل المرئ يركز (بالحقيقة هو يجعل المرئ يركز بعدما سبب تشتت ذهنه عندما بدأ المرئ في الابتعاد عنه ، فانت عندما تفعل شئ يستحق التركيز فانك لن تدخن في البداية ، لكن لانك مدمن ، فستفقد تركيز تلقائيا لانك تريد المادة التي انت مدمن عليها ، وهكذا عندما تحصل عليها ستستعيد تركيزك ، اذا هو لا يزيد تركيز الشخص الغير مدمن عليه! ليس هذا فقط ، بل انه يقلل التركيز ايضا: فهو يقلل من وصول الدم للدماغ بالاضافة لتقليل اكسجين ، وتخيل انك جالس طوال اليوم بغرفة مغلقة مليئة بالدخان كيف تركز فيها؟ وبالحقيقة فرئتيك مليئتان بهذا الدخان.
لايوجد اي فائدة للنيكوتين ، ولا فائدة واحدة ، لايدخل في تركيب اي دواء ، بالحقيقة هو يباع كمبيد حشري ايضاً .

البعض يظن انه يقتل الملل ، وبالحقيقة هو يسبب الملل ، فشعور التخديل وعدم القدرة علي فعل شئ الذي ياتيك بعد التندخين يمنعك من فعل اشياء كثيرة كانت لتزيل هذا الشعور بالملل.

البعض يظن ان تدخين السجائر هو من مظاهر الرجولة او القوة او الفحولة وهؤلاء انا اشجعهم علي التدخين ولا اريدهم ان يكفوا عنه ، مساعدة في عملية الاختيار الطبيعي في تخليصنا من الاغبياء.

اذا وباختصار ، وضعت خطة كالتالي:
التوقف نهائيا عن تناول اي جرعة من النيكوتين واحتمال شعور "السماء سوف تنطبق علي الارض" الذي ياتي بالبداية ، وبعدها عدم تناول سيجارة ايا كان بعد هذا .
توقفت عن التدخين وفعلا ، السماء كادت ان تنطبق علي الارض... صداع ..واكتئاب بل وانين بل ورغبة في البكاء ..كدت ان احنث بوعدي ..بل ونزلت للسوبرماركت ..ولكن صوتا عاقلا واحدا منعني وسط هدير جماهير تنادي بالنيكوتين .. عدت المنزل وفتحت اليوتيوب واخذت ابحث عن اعلانات مضادة للتدخين في اوروبا وامريكا..فتحت نادي الفكر ..وجدت مداخلات لبكيزة هانم الدرملي ...شعرت برغبة فظيعة في التدخين ..نزلت مرة اخري ...انقذت نفسي مرة اخري وانا امام الكاشيير ...شعرت بجوع فظيع ، ذهبت مطعم ...رجعت المنزل واحسست باكتئاب وقلق وانزعاج ...لكن فكرة انني مدمن يطهر جسمه من مادة تروجها لها شركات قذرة هو ما منعني من النزول هذه المرة ...نمت وانا متعب من كثرة المشي والتجوال من القلق ...
اليوم التالي يشبه قليلا اليوم الاول ولكن الفرق انك تبدأ في الشعور بفوائد الابتعاد عن التدخين مثلا تاخد نفس عميق وتشعير بهواء نقي يدخل رئتيك
ايضا الاحتقان اياه تشعر انه بدأ يخف
سوف تشعر بجوع حاد لكن مش مشكلة

كان هذا منذ اسبوع...الان انا لا اشعر برغبة في التدخين الا احيانا بمواقف معينة ... وهذا هو اثر الادمان النفسي ...الامر يشبه فخا منصوبا للمغفلين ...اغراء نفسي يعقبه ادمان جسدي ... الوعي بهذا الفخ هو ما يمنعني من الوقوع فيه ... الادمان النفسي ليس بصعوبة الادمان الجسدي .. تستطيع ركله بسهولة بمجرد وعيك بالفكرة ...

البعض يتخلص بالفعل من الادمان الجسدي لكنه يعود بسبب الهالة النفسية الزائفة للسيجارة ... يجب علي المرئ ان يعرف ان سيجارة واحدة هي متصلة بشكل متسلسل بعدد لانهائي من السجائر ...