الأخ إبراهيم .

هناك اختلاف جوهري بيننا ربما يخلق صعوبة في أن تتواصل أفكارنا ولو بالتناقض ، أنت يا صديقي موجه دينيا او religion oriented بينما بهجت موجه سياسيا poltical oriented ، أنت تنتظر للسياسة من منظور الدين و انظر للدين من منظور السياسة ، ورغم أني مادي خالص ( بكل عيوب الماديين ) ، أومن بنهائية الحياة ، إلا اني لا أبشر بمعتقداتي الدينية ولا يهمني ذلك ، و بالتالي لست معاديا للدين أي دين ، بل أتعامل مع كل الأديان كمحاولات بشرية للبحث عن الحكمة الكلية ، ( و بالمناسبة لسه راجع حالا من دير سمعان الخراز ، حيث قضيت اليوم بطوله بين مباني الدير المنحوت في بطن جبل المقطم )،ولم يفسد متعتي سوى روائح مدينة ( الزبالة ) الملاصقة ، في تناقض مصري غريب يجمع بين السمو الروحي و القذارة المادية .
1- تقدم البشرية و منذ 350 سنة مرتبط بالعلمانية أي فصل الدين عن الدولة ، فلا توجد دولة دينية واحدة متحضرة ، إني لا أطالب بالغاء الدين ولا أعادي الأديان ، و لكني أؤكد على حقيقة أن الدولة القومية الحديثة مدنية بالطبيعة لا تقوم على الدين ، هذا موقف فكري سياسي أو رؤية في النظرية السياسية و ليس في الدين ، هذه القضية ملحة للغاية في مجتمعاتنا العربية ولا تقبل التأجيل أو الغموض ، يمكن فقط إعادة طرحها في إطار لغوي آخر مثل الدولة المدنية ذات الهويات المتعددة ،و لكن لن يمكن قبول مشروع الدولة الدينية ولو بالصمت دون أن نفقد الضمير .
2- الإنتماء للإنسان و حضارته يعني رفض الأصوليات الدينية التي تحتكر الحقيقة ، الدين شأن شخصي يمارس في البيت و أماكن العبادة فقط ،و ليس شأنا عاما يفرض على الجميع ، تلك أبجديات الحضارة الإنسانية المعاصرة ، و لعلنا نتفق في ذلك ، و نتفق أن نرفض الخضوع للسلطة الدينية حتى لو وافقت معتقداتنا .
3- الناس في جموعهم لم يكنوا أبدا مستعدين للتحضر و التغلب على الخرافة ،و لكن الرواد و المفكرون هم الذين يقودون مجتمعاتهم و يحضرونها ، ولو استخدمنا لغة السوق فكما أن الطلب على الثقافة العقلانية سيخلق العرض ، فإن عرض تلك الثقافة سيخلق طلبا عليها ،و منذ أجيال قليلة كانت العبودية منتشرة في امريكا ، و اليوم هناك رئيس أمريكي من أحفاد العبيد ، إن أفكار الحرية و الليبرالية صنعت مجتمعا حرا ليبراليا ، غن نقل أفكار الحرية و الهيومانية و العلمانية من اوروبا خلق قناعات كبيرة بها في مجتمعات أسيوية و إفريقية لم تكن تعرف تلك القيم ولا تفهمها ، هذه الشرائح أصبحت أغلبية بين نخب معظم المجتمعات الأسيوية ، و لهذا فلا يجب ان نسلم سريعا بأن نفشل فيما نجح فيه كل إنسان آخر ، إن رؤية لواجب المثقف المعاصر تختلف .
4- وجود رواسب من الثقافات القديمة في الثقافات الأحدث شيء طبيعي و مرحلي ، فما زالت طقوس التخلص من الأرواح الشريرة Exorcism تمارس في المسيحية ،وهناك مشاهير في الغرب يقراون الطالع و ما تقوله الأبراج ، و لكن كل تلك الممارسات لا تنفي طبيعة الحضارة المعاصرة العقلانية .
5- لا يمكن لمهتم بمستقبل شعبه أن يغفل تأثير الإسلاميين و مشروعاتهم السياسية في المنطقة ،إن المؤمنين البسطاء لا يؤثرون على الأحداث ، بل ينساقون لها ، و لكن تلك القلة الحركية هي كل شيء ، لقد نجح الإسلاميون في السيطرة على مجتمعات بأكملها ووصلوا إلى الحكم بالفعل في بعضها ،هم يحكمون في دولة بأهمية و تاريخ إيران ،و يحكمون جنوب لبنان و غزة و أجزاء من نيجيريا و أفغانستان و الصومال و اليمن ، و لهم قوة سياسية خطرة في باكستان و مصر و الأردن و الجزائر ,..... فبماذا نهتم إذا لو تعامينا على خطر داهم يقترب بالفعل ، بل إن النيران تقف بعتبة الدار ، وكثيرا ما اتمثل نصر بن سيار في قوله .
أرى بين الرماد وميض نار ... فأحرى بأن يكون له ضرام .
فإن النار بالعودين تزكي ......و إن الحرب مبدؤها الكلام .
فقلت من التعجب ليت شعري ...أيقاظ أميــــــة أم نـــــيام .