(10-05-2009, 01:13 AM)Solitude كتب:  [size=large]السلام عليكم.. أرحب بالجميع..



أنا أحب التأويل والجمع بين النصوص كرياضة عقلية أثناء دراستي التطوعية للأديان المقارنة .. غير أنه من المسائل التي توقفت أمامها حائراً هي ثلاث مجموعات من الآيات تتحدث عن مراحل خلق الكون .. وقد عجزت فعلاً عن التوفيق بينهم بشكل يلغي التناقض الظاهر.. ولنطرح المسألة بشكل منظم :

الزميل الكريم Solitude
تحياتي
قبل الاجابة على اسألتك ارجو ان الفت انتباهك الى امر بسيط غاب عن معظم المفسرين و هو الاختلاف بين معان كلمة سماء أو سموات في القران الكريم , حيث أن معنى كلمة سماء في الايات اعلاه صُرف الى معنى الكون بدون قرينة.
من المؤكد أن كلمة سماء و جمعها سموات لها معان مختلفة في القران الكريم و ادناه بعض الامثلة:
1- السماء بمعنى السحاب:
(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ) (الأنعام:99)
2- السما ء بمعنى الجو:
أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (النحل:79)
3- السماء بمعنى الفضاء الكوني:
(وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) (الحجر:14)

و لا شك بأن المعنى يستشف من سياق الاية التي وردت فيها الكلمة. عليه فالسؤال المهم هو لماذا يُصرف معنى كلمة سماء/ سموات في القران الى معنى الكون دائما؟
لقد بين القران الكريم أن عدة الشهور اثنا عشر شهرا يوم خلق الله السموات و الارض و هذا تقويم خاص بسيار الارض فقط حيث يبلغ طول السنة اثني عشر شهرا و القران اوضح بصورة جلية ان زمن الارض زمن لا يساوي ازمان السماء ( بمعنى الكون) في آيات كثيرة:
(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (السجدة:5)
و بتتبع الايات التي وردت فيها صيغة السموات و الارض بهذا الترتيب , يتضح بان المقصود بالسموات نطاق ضيق جدا خاص بسيار الارض و ليس كل الكون او اي ابعاد أخرى كما في ايات سورة طه:
(تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى) (طـه:4)
حيث السموات العلا تشير الى بعد كوني مختلف عن كلمة السموات التي تاتي سابقة لكمة الارض:
(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:36)
و لمزيد من التفصيل حول معان سماء/سمات في القران الكريم اليك رابط سابق:

http://www.nadyelfikr.com/showthread.php?tid=33391&page=4

اقتباس: ◄ هذه الآيات هي:
1- هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {27} (البقرة)
2- قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ{9} ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {11} (فصّلت).
3- أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا{27} رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا {28} وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا {29} وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا {30} أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا {31} وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا {32} مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ {33}. (النازعات)

الملاحظة الاولى هي ترتيبك لهذه الايات و هو يوحي بانك اعتبرتها تسلسلا زمنيا لعملية الخلق بدء باية سورة البقرة و لكن لا دليل على ذلك بل ان سورة البقرة هي الاخيرة من حيث ترتيب النزول.

عليه فان هذه المجموعات الثلاث لا تفيد تسلسل الخلق كما انها تتحدث عن خلق سيار الارض فقط و ليس خلق الكون كما تصورت حضرتك , لان الارض موطن الانسان ( خلقا وحياة و مماتا و بعثا و خلودا) حسب القران الكريم نفسه:

(مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) (طـه:55)
(وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (الزمر:74)
فالانسان خُلق في الارض و سيبعث بعد مماته و يخلد في الارض لان الجنة نفسها على الارض حسب الاية اعلاه.

اقتباس:◄ أما عن الأحداث التي وردت في الآيات بترتيبات مختلفة فهي:
1- خلق الأرض.
2- تسوية الأرض ( أي دحوها - إرساء جبالها - إخراج مائها ومرعاها ..إلخ ).
3- خلق السماء.
4- تسوية السماء ( أي فصلها إلى سبع سموات - الإيحاء لكل سماء بأمرها .. إلخ ).

*
◄ والمطلوب الآن:
وضع ترتيب للأحداث السابقة بحيث يمكن تطبيقه على أي آية فلا يحدث تناقض .. وبحيث يكون الترتيب متفقاً مع الحقيقة الثابتة القائلة بأن خلق السماء بما فيها من مجرات ونجوم لابد - علماً ومنطقاً - أن يكون قبل خلق الأرض.

أنتظر حلولكم بحماس.. لكم مني أجمل تحية..

الان و بعد الايضاحات اعلاه لنتناول الايات من منطلق ان القران يخاطب الانسان كمخلوق ارضي و بالتالي فانه يحدثه عن مراحل خلق بيئته اي سيار الارض و ليس خلق كل الكون:

1) ايات النازعات و اية البقرة يجملن خلق سيار الارض كتلته السفلية الصلبة + كتلته العليا الغازية ( الغلاف الجوي).
2) ايات سورة فصلت تُفصل مراحل خلق سيار الارض و تسميها ستة ايام.

و بالتفصيل:

خلق سيار الارض في البداية اقتضى انشاء كتلتين احدهما عليا سميت سماء و اخرى سفلى سميت ارض. خلق هاتين الكتلتين حدث متزامنا في اليومين الاولين. لذا فانك تستطيع ان تقول بان في اليومين الاولين خلقت الارض, و ايضا تستطيع ان تقول خلقت السماء الواحدة( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا
رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا) فكلا العمليتين تمتا في اليومين الاولين فايهما ذكرت فانت مصيب في الحالتين. القران عبر عما حدث في اليومين الاولين باحد هاتين العمليتين فاختار خلق السماء تجنبا لتكرار ذكر الارض في باقي الاية . فقال (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا
أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا) . و المقصود بكلمة ( بعد ذلك) هو بعد الذي تم في اليومين الاولين من بدء الخلق و هو ما تم في اليومين الاولين و بتزامن ( بدء خلق الارض و السماء الواحدة) . فماذا حدث بعد انشاء الارض و السماء الواحدة في فترة اليومين الاولين؟
دحيت الارض و اخرج ماؤها و مرعاها و ارسيت جبالها. متى تم ذلك؟ بعد اليومين الاولين الذين تم فيهما خلق ( انشاء) الارض و السماء. لذا فالتعبير ( بعد ذلك) يعني بعد مرحلة اليومين الاولين. و هو ما حدث بالضبط في الايام الثالث و الرابع , حيث تم تقدير الاقوات في الارض كما اوضحت الاية:

قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ {9} وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ {10} سورة فصلت

و حتى اكتمال هذه المرحلة ( اي الاربعة ايام) ما زالت السماء طبقة واحدة (أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا).
بعد هذه الاربعة ايام بدات مرحلة اليومين الاخيرين حيث سويت السماء الواحدة الى سبع سموات و اوحي في كل سماء امرها ( اي اسندت اليها وظائفها).
http://www.nadyelfikr.com/showthread.php?tid=28990&page=17&highlight=%D8%A3%D9%86+%D9%86%D8%B3%D8%A3%D9%84