(10-13-2009, 07:58 PM)هاله كتب: المقارنة بين الفلسطينيين و مصر لا تجوز فمجتمع تحت احتلال لا يكون مخيرا في نسج و تحديد علاقته بذلك الاحتلال و هذا بعكس الدولة المستقلة ذات السيادة كمصر أو غيرها.
و ثانيا: الاحتلال لا يشمل الأرض فقط بل ان الاقتصاد الفلسطيني نفسه أسير و تحت رحمة الاقتصاد الاسرائيلي و ليس من فراغ أن اسرائيل في كل مشاريع التسوية تصر على السيطرة على المنافذ البرية و الجوية حتى تعيق و تشل امكانيات نمو اقتصاد مستقل و قوي و تعمل باستمرار على تدمير بقايا الاقتصاد الفلسطيني الضعيف بمصادرة و تجريف الاراضي الزراعية ادراكا منهم ان التجويع سبيل للتركيع.
..................
ثم هل نحن وحدنا أشرار العالم أم أن تلك الشرور كانت ردات فعل على شرور أشد و أنكى سابقة على شرورنا؟
هالة .

كان هذا الموضوع تحديدا مجالا لمناوشات بيننا و مالك الحزين منذ سنوات هنا في نادي الفكر ،وقد شاركنا فيها صديقنا المشترك جمال الصباغ ، وهو الزميل الذي أفتقد لغته المنطقية الهادئة المهذبة ، فلم يعوضه نادي الفكر أبدا ، لن أكرر شيئا مما قلت ، فلست أدري لماذا لم أوهب تلك الملكة التي تجعل الخيارات مباشرة و بسيطة ، كما لم أوهب اللغة التخوينية التكفيرية التي يمتلكها ملح الأرض و تنهي كل حوار بحسم موهوم ، لا شيء بسيط و لا مكان أيضا للبسطاء في هذا العالم سوى على قوائم المساعدات الإنسانية ، لهذا لن أتفق مع نبيل ولا مع ناقديه في كل شيء، كالعادة سأضع مجموعة من الأفكار ، لا تشكل موقفا محددا بل مقتربا مرنا لما يجب فعله كما أرى .
1- الليبرالية لا تعني التطبيع مع إسرائيل ولا تعني أيضا رفض التطبيع ، فهي أداة أو مقترب للتفكير و ليست منتجا نهائيا ، و هذه القضية كغيرها من القضايا خلافية ، الليبرالية هي التطبيع مع اليهود و مع الهندوس و البوذيين و المسلمين و المسيحيين ،و لكنها لا تعني تلقائيا التطبيع مع كيانات سياسية أصولية تقوم على الدين ، بل هي غالبا عكس ذلك كما أرى ، فهي ضد التطبيع مع طالبان و مع حماس و حزب الله و الأحزاب الهندوسية الأصولية و أيضا مع إسرائيل ككيان عنصري ديني .
2- أتفق معك يا صديقتي أن التطبيع ليس خيارا فلسطينيا بل هو أحد مظاهر الإحتلال الإسرائيلي ، هذه حقيقة صلبة من حقائق الواقع و ليست رأيا متعاطفا ، فلا أحب التراشق بالإتهامات من هذا النوع كما لا أحب كيل الإتهامات الظالمة للمصريين بنفس المعيار الواحد .
3- شخصيا لا يعجبني المزايدة السياسية الرخيصة السائدة في مصر ، و لا حمى التكفير و التخوين و ادعاء الوطنية و الحمية القارحة ، فهذا يذكرني بالإمبراطورة الروسية المتباكية على الفضيلة ، بينما حملها المتكرر – كونها أرملة - يدحض كل فضيلة ،و من المضحك أن الإعلام المصري كله استشاط غضبا ضد لا عب في فريق الشباب لأنه مطبعاتي ، فهو يرتدي تي شيرت عليه دعاية لإسرائيل باللغة العبرية !، و لا أعتقد أن هناك أبله يصدق أن اللغة العبرية ستكون مقرؤة في مصر ، فكيف يكتبون بها دعاية إسرائيل !، تكشفت الحقيقة المريرة بعد أيام ، وهي أن المكتوب هو باللغة اليابانية و تعني كلمة بيبسي كولا ، نظرا لأن التي شيرتات المكتوب عليها باليابانية و الصينية ( موضة ) الآن ، هنا صمت الجميع ولم يعتذرو أحد كونه أبلها محموما ، فاقد الأهلية للحكم على الأشياء فكيف بتوجيه الرأي العام المهتاج بدون سبب أصلآ .
4- أعتقد أن معظم المشكلة أو حتى كلها قابع في عقلية ال reactive أو عقلية رد الفعل المصرية ، و البديل هو روح جديدة مبادرة proactive ، عقلية تمتلك مقدراتها و تعرف مسبقا ماذا تريد و ماذا ستفعل في كل موقف ، عقلية تقود العرب و الإسرائيليين معا ،و ليست العقلية المتخبطة حاليا التي تتبع العرب و الإسرائيليين معا .
5- دعونا نتذكر أن الفضيلة هي وسط بين رذيلتين كما عبر بحكمة جدنا الكبير أرسطو ، فلا هرولة و ( اندلاق زي المدب ) و لا خصام (واوعى تكلمني بابا جاي وريا !) ، يجب بداية أن ندقق كلمة تطبيع فليس كل من يسلم على إسرائيلي سينجب طفلآ على الفور ، هناك مبدأ هام في إدارة أي صراع هو ( لا تفقد الإتصال مع العدو ) مبدأ يصلح في الحرب و في السلم على السواء ، الإتصال (بالعدو) ليس تطبيعا ، و لكن هذا الإتصال لابد أن يكون هادفا ولا أقول - متعسفا - في إطار خطة مركزية مدققة فهذا لا يشبه العرب ، بل يكفي أن يكون في إطار تصور عام ، هل تعلمين أن الفترة الوحيدة التي قرأت فيها الأدب الإسرائيلي بانتظام كانت في عهد عبد الناصر تحت شعار " اعرف عدوك" ، و اليوم يهدد فاروق حسني بحرق الكتب الإسرائيلية في مشهد داعر من استجداء التصفيق الرخيص الذي لم ينله ! ، هذا هو الفرق بين العقلية proactive و الأخرى reactive.
6- كان المرحوم د. المسيري يفخر بأنه حرر موسوعة كاملة عن اليهود و الحركة الصهيونية دون أن يزور إسرائيل أو يقابل أحدا من الإسرائيليين ، بينما يؤكد د . عماد جاد الذي يرأس تحرير ترجمات إسرائيلية أنه لم يقابل يهوديا ناهيك أن يكون إسرائيليا .. ماشاء الله .. وهل التخلف و التخبط المهني غير ذلك ، طبيب يشرح أجزاء الجسد البشري دون أن يراها ، أصولية علمية جديدة تلك أم بحث عن شعبية بين متهووسين أم الدولار لدى شيوخ النفط و الإدعاء .
7- يجب اتخاذ موقفا انتقائيا من الإسرائيليين ، فلا نعامل الجميع بنفس المعايير ، هناك طيف واسع من الفكر و المواقف في إسرائيل بعضها لا يتعارض بحدة مع مطالبنا المشروعة ولو في إطار الحلول السلمية التي يتبناها العرب في مبادرتهم للسلام ، هؤلاء يجب الإنفتاح عليهم بلا حساسية و بلا وصاية من عرب مشاهدي الصف الأمامي ، مثل الليبيين و القطريين و الإيرانيين و العراقيين و السودانيين .... ، من فئة الإمبراطورة الروسية التي تحدثت عنها سابقا .