الجنرال الشتاء .
لن أضيف كثيرا لما قدمه آمون و نيوترال عن تأثير الشتاء على تطور عملية بارباروسا ، فهناك وجهتان نظر حول هذا التأثير ،و قد أفاض آمون في عرض الأولى بينما أفاض نيوترال في عرض الثانية ، أود هنا أن أشير أن شتاء روسيا ليس كغيره ، فقد شاهدت بعيني رأسي ترمومتر الحرارة يشير إلى 40 تحت الصفر ، عندما كنت أسير في (الكراسني بلوشات) أو الميدان الأحمر ، بينما كانت السوائل تتجمد في أنفي رغم ارتداء (الشبكا) أو غطاء الرأس الروسي الشهير ، و لن يسعفك في مثل هذا الجو المدمر سوى شراب أهل الجنة (زجاجة فودكا كاملة) .
سيكون لدي فقط تعليقان صغيران .
أضاع الألمان وقتا ثمينا في بداية الربيع ، فلم يبدأ الهجوم سوى في 22 يونيو ، و كان من المتوقع لتفادي القتال في الشتاء أن يبدأ الهجوم في 15 مايو طبقا للتوجهات الأولية التي صدرت للعملية في شهر ديسمبر 1940 ، أي أن هناك 5 أسابيع ذهبية فقدها الألمان ،و لم يمكن استعواضها قط ، و ينسب قادة ألمان كبار فشل عملية باربارسوا لهذا التأخير ، من هؤلاء القادة فون رونشتدت و وفون باولوس ، و من المصادفة التاريخية بالغة الغرابة أن ذلك التأخير يعود لحادث عرضي تماما ، ففي محاولته لتأمين جبهة البلقان سعى هتلر لضمان ولاء يوجوسلافيا ، و نجح بالفعل في توقيع معاهدة ضم بمقتضاها يوجسلافيا للمحور ، و لكن مجموعة من ضباط القوات الجوية قاموا بانقلاب عسكري أيده الجيش في معظمه ، كما لاقى دعما شعبيا جارفا ، و نتيجة نجاح الأنقلاب أعلن ولي العهد ملكآ ،و طردت الحكومة السابقة الموالية للألمان ، و في الحال اعتبر هتلر هذا الإنقلاب إهانة شخصية ضده ، لهذا و بقرار متسرع أمر هتلر قواته بسحق يوجسلافيا و اليونان بعملية عسكرية ساحقة ، مصاحبا لهذا القرار أمر هتلر بتأجيل عملية بارباروسا لمدة 4 أسابيع زادت أسبوعا بعد ذلك ، و بالفعل نجح هتلر في محو بلجراد من الوجود كما أراد ، و اكتساح يوغسلافيا و اليونان في 3 أسابيع فقط ،و لكن النتيجة النهاية كانت كارثية لأنها أضاعت الوقت الثمين في عملية ثانوية تماما بدون تأثير كبير على العمليات الرئيسية ، لهذا يرى البعض أن هذا التأجيل هو أكبر خطأ مفرد وقع فيه هتلر ،و أنه أتاح فرصة لروسيا كي تنقذ موسكو و تعكس اتجاه الحرب ،و هو ما أدى في النهاية إلى سقوط الرايخ الثالث .
التعليق الآخر هو أننا ننظر لعامل المناخ كقدر إلهي لا يمكن تقديره ، و هذه نظرة ( مدنية ) أكثر منها فهما لطبيعة التخطيط العسكري ، فعند تخطيط أي عملية عسكرية هناك تقدير موقف دقيق لعناصر موضوعية و هي الأرض و المناخ ،و عناصر شخصية هي القوات المعادية و الأهالي المحليين ، أي أن هناك آلية تحتم أن يجري تقدير دقيق للمناخ و تأثيره على العمليات القتالية ،و أيضا الإجراءات الواجب اتباعها لتحييد عامل الطقس أو حتى لتوظيفه ، و فشل الألمان في التعامل مع الطقس هو نقطة سلبية هائلة في تقدير الموقف الألماني ،من الغريب أن تسقط فيه هيئة أركان عالية الإحتراف مثل الأركان العامة بقيادة القدير ( الجنرال هالدر ) ، يمكننا القول مبدئيا أن المناخ الرديء يعمل لصالح المدافع أفضل من المهاجم ، فالمدافع له خطوط مواصلات محدودة ، كما يمكنه استخدام المباني المحلية لحمايته ، بينما تمتد خطوط المهاجم لمسافات طويلة ،ولا تتوفر له السواتر ، هذا الحقائق لا تعني هزيمة المهاجم بالضرورة ، بل هي اعتبارات يجب ان يتم تقييمها بكل دقة ، و من العجيب ان نقرأ انه بمجرد ظهور نوايا هتلر لغزو روسيا شرع رئيس الأركان الألمانية في دراسة غزو نابليون لروسيا ، خاصة مذكرات جنرال فرنسي كان مرافقا لنابليون ،و فيه يشرح أهوال الشتاء الروسي ،ووزع هالدر نسخا من الكتاب على كبار مساعديه ،و ربما كان ذلك سببا في اعتراض هالدر في البداية على خطة بارباروسا ،و لكن إصرار هتلر و عناده قضى على أي اعتراض .

---

بهاء .
لا شيء يؤلمني مثل تضخيم الخلافات العرضية التي يمكن أن تظهر بين منتسبي نفس الفكر الحداثي ، هناك أقلية بالفعل تتبنى هذا المقترب من التفكير ، و بالتالي فلدينا معارك كافية ضد جحافل الأصولية ،و هذا يجعل من المعارك البينية بيننا استنزافا للجهد فيما لا يفيد بل يضر ، لهذا يسعدني يا صديقي أن نضع سوء التفاهم خلف ظهورنا كجزء من ماضي عبثي غير قابل للتكرار .
إن معرفة ستالين و القيادات السوفيتية بنية الغزو الألماني و موعده كان بالغ الأهمية ، فكي يستغل ستالين المميزات الطبيعية التي يحققها العمق الكبير لبلاده ، كان عليه ان يضع الخطط التفصيلية التي تحقق له ذلك ،و هذا يستتبع أن تحدد خطوط القتال الرئيسية و أن يجهزها هندسيا ، و أن يمركز القوات بشكل يوفر له الإحتياطات المناسبة ضمن خطط عمليات منسقة ..... الخ ،و هذا يعني القيام بالفتح الإستراتيجي لقواته على مسرح العمليات في وقت مبكر ،و هذا لم يحدث بالشكل المناسب نتيجة تحقيق الألمان لمبدأ المفاجأة بسبب أخطاء القيادة السوفيتية و ستالين بشكل خاص ،و النتيجة نجاح ساحق للقوات الألمانية في بداية الحرب ،ولو سارت الأمور كما خطط لها حتى النهاية لسقط الإتحاد السوفيتي في قبضة النازي ، لقد وصلت الطلائع الألمانية إلى حدود موسكو بالفعل ، و قد شاهدت بعيني بعضا من موانع الدبابات القنفذية التي جهزها السوفيت على خطوطهم الأمامية و تركوها للذكرى ، ووتقع تلك الموانع في ضواحي موسكو الحالية ،و لكن بسالة المقاتل السوفيتي غيرت التاريخ و هزمت من لا يقهر .