...

بدأ اليوم الثالث في المعتقل كالعادة، ما يدعون أنه "طعام" الفطور مرمي على المغسلة على باب الحمام في الغرفة، أقوم لأستغل الدقائق اللاتي أعيشهن بلا حرارة عالية أو ألم معدة أو رجفة لتناول القليل مما قسم تحضيرا لتناول المضاد الحيوي (TamiFlu) لأنه كان يسبب لي حرقة شديدة في المعدة بالإضافة إلى المغص، وكان ينصح بتناوله على "معدة مليانة" وأنا عليم الله ما كان ييجي على بالي الأكل إلا فيما ندر خلال أيام المرض ...

عند حدود الساعة العاشرة صباحا وصل الطبيب المناوب لأشرح له ما أعانيه من ضيق تنفس وما إلى ذلك، طبعا حينها كانت الحرارة قد هاجمتني من جديد، وكنت أرجوه أن يجروا لي صورة أشعة للتأكد، السبب أن أختي وهي ممرضة كانت تتصل بي في اليوم أكثر من مرة لتطلب مني أن أطلب صورة أشعة، والسبب أن ابن عمتي وهو أخصائي جهاز تنفسي وعناية حثيثة وماخد له شي 4 أو 5 بوردات أمريكية في هذا المجال على ما أظن كان يلح على ذلك ... علمتُ لاحقا أنه (ابن عمتي) وهو يعمل في أحد أكبر مستشفيات السعودية وأكثرها تقدما طبيا كان متابعا ل5 حالات فقط مثل حالتي تطور عندها الحال وتم وضعهم جميعا على جهاز التنفس الإصطناعي، الحصيلة كانت 4 حالات وفاة ونجاة مريض واحد فقط!!!!

بسبب إحساسي بالقلق الذي تعاني منه أختي وإلحاحها على موضوع صورة الأشعة، وبسبب ذكرها لموضوع الإلتهاب الرئوي اعتراني القلق، وألححت على الطبيب أن يجري لي صورة الأشعة، وبعد سماعه أعراضي قام بطلب إجراء صورة أشعة لي بشكل "عاجل" ... ولكن، ما معنى عاجل في مفاهيم معتقل الأمير حمزة؟؟؟ الجواب هو عشرون ساعة!!!! ... عشرون ساعة كاملة وأنا أنتظر إجراء صورة أشعة لصدري ... خلال ذلك اليوم كانت حالتي قد تطورت إلى درجة مقاومتي لجميع خافضات الحرارة، خافض الحرارة الممعطى من خلال الوريد يجب أن يكفي لحوالي 8 ساعات، وكان أقوى خافضات الحرارة المتوفر عندهم حينها يكفيني لما بين 3 إلى 4 ساعات على الأكثر، وأبقى أعاني من حرارة مرتفعة لأربع ساعات أخرى، كان يوما سيئا بجميع المقاييس ...

خلال تلك الليلة لما تفارقني الحرارة بتاتا، وإضافة إليها بدأت أنفاسي تضيق شيئا فشيئا، استكيت للممرض فوضع لي قناع أكسجين لكن لم يكن له أي تأثير يذكر، وعند اقتراب الفجر انقطع نفسي مرتين، كل مرة حوالي ال20 إلى 30 ثانية ... لستُ أدري كيف أصف الشعور، تخيل أنك نسيت كيف تتنفس!!!! تحاول أن تأخذ النفس لكنك لا تستطيع، ثم تنتهي النوبة بنفس بسيط مخنوق لكنه أغلى نفس تستنشقه في حياتك كلها ربما!!!! ... بعد المرة الثانية فزعتُ فزعا شديدا، لستُ أدري كيف حملتني أقدامي نحو باب الغرفة، لستُ أذكر التفاصيل تماما لكنني أذكر أنني وقفتُ على باب الغرفة أبكي وأستجدي فريق التمريض أن يصحبوني للطوارئ لأخذ صورة أشعة لصدري لكن لا حياة لمن تنادي مرة أخرى ... حملوني إلى السرير وقامت الممرضة بإعطائي "تبخيرة" تحتوي على دواء معين قام بتخفيف ضيق التنفس بشكل جيد جدا، ثم قامت متطوعة بإعطائي مضادا حيويا جزاها الله خيرا، ارتحتُ على إثره وأظن أنني غفوت ...

أذكر تلك الليلة، وبعد أن "غفوت" أنني بدأتُ أهلوس أو أحلم بشكل غريب جدا، كنت أرى أقزاما يتوافدون على سريري واحدا تلو الآخر، وأنا أعطيهم قطعا من وسادة سرير المستشفى التي هي عبارة عن قطعة أسفنج يحشرونها تحت غطاء السرير لتسبب لك آلاما في الرقبة والظهر لا يعلم بها إلى الله، كان حلما غريبا جدا، وأحسست بأنني تعرقت كثيرا تلك الليلة ...

يتبع ...