RE: مع المفكر الصادق النيهوم
هوامش المقال
(1) : المصطلح اللاتيني المرادف لكلمة شيوعي في لغتنا العربية هو Anarchistالذي يشير إلى مواطن (( رافض لجميع أشكال السلطة )) , و هو مصطلح أختار المترجمون العرب , أن يترجموه بكلمة فوضوي , من دون أن يلاحظوا أن هذه التسمية مجرد شتيمة متعمدة .لأن المرء لا يسمي نفسه فوضويا حتى إذا كان فوضويا حقا . و أن المواطن الذي سمى نفسه Anarchistلم يكن يدعو إلى الفوضى , بل كان يدعو إلى النظام في مجتمع محرر من جميع أنواع السلطة . و هي فكرة قد تكون خيالية , لكنها لا علاقة لها بكلمة فوضوي في لغتنا العربية , و لا يعني اختيار هذه الترجمة , سوى رغبة المترجم العربي , في توفير كلمة شيوعي , لتعريب مصطلح آخر , لا علاقة له بالشيوعية . إن حركة التعريب , تستطيع أن تكون وسيلة فعالة لتجهيل العرب , و ليس لتثقيفهم .
فالمترجم العربي , ليس مواطنا عربيا فقط . إنه بحكم ثقافته نفسها , مواطن أوربي معرب , لا ينظر إلى معاني المصطلحات , من وجهة نظر العرب , بل من وجهة نظر الأوربيين الرأسماليين بالذات . و هي زاوية منحرفة جدا , ترى الشيوعي في كلمة فوضوي . و ترى الماركسي في كلمة شيوعي . و ترى الرأسمالي في كلمة ديموقراطي . و ترى الفدائي في كلمة إرهابي . و تفسر مفهوم العدل نفسه , في ضوء حرية رأس المال . لأنها زاوية منحازة سلفا , ضد كل نظام آخر , غير نظامها الرأسمالي . و إذا اتيحت لنا الفرصة ذات مرة , لكي نراجع ما حدث في قاموسنا العربي , على يد المترجمين (( العرب )) , فسوف يدهشنا أن نرى , أن اسطورة حصان طروادة , لم تكن في الواقع أسطورة كلها . فمثلا :
كلمة Capitalist ترادف في لغتنا العربية , كلمة مرابي , و ليس رأسمالي . لأن رأس المال في حد ذاته , اسمه لا يعني في لغتنا , سوى مال رجل أنعم الله عليه . أما كلمة Capitalist التي اشتهرت على يد كارل ماركس , فإنها ترتبط بحق الرسمالي في تنمية أمواله , بوسائل الأستثمار الحر , و هو حق لا يمكن ضمانه دستوريا , بغير ضمان شرعية الربا . و مثلا :
كلمة Member of Parliament تترجم في لغتنا بكلمة عضو البرلمان . و هي ترجمة لا تقول , ما هو البرلمان نفسه ؛ مما يجعلها مجرد محاولة مريبة لتفسير الماء بالماء . فالواقع , أن البرلمان يدعى في لغتنا العربية باسم الديوان الملكي . و هو الجهاز الأداري الذي تطور على يد الثورة الأنكليزية , من مجلس يعاون الملك في الحكم , إلى مجلس يحكم مباشرة من دون سلطة الملك . و لو استعمل العرب كلمة الديوان الملكي بدل كلمة البرلمان لاكتشفوا مبكرا أن المشكلة تكمن كلها في مدى سلطة الملك . و أن البرلمان العاجز عن تحرير نفسه من هذه السلطة اسمه ديوان , و القوانين الصادرة عنه اسمها إرادة ملكية . و المواطنون الذين يعيشون في ظله , اسمهم رقيق الأرض . و مثلا :
كلمة Nationalism , لا تعني القومية بل تعني الشعوبية , لكن المترجم الذي تولى نقل هذه المصطلح كان يعرف تاريخ الشعوبية السيئة السمعة في تراثنا العربي . و كان يهدف عمدا , إلى أن يبيع لنا البضاعة القديمة نفسها , تحت اسم جديد آخر . و باستثناء النية المبيتة لتحقيق هذا الهدف المريب , فإن كلمة Nationalism لا تستقيم ترجمتها بكلمة قومية , طبقا لأي قياس لغوي أو تاريخي .
فمصطلح القوم , يشير إلى صيغة سياسية منقرضة قائمة على وحدة الدم . و هي صيغة انتهت على يد الأسرائيليين منذ ثلاثة آلاف سنة في نظام الشعب الذي جمع أقوام اليهود , تحت لواء دولة مؤسسة على وحدة الأرض و اللغة أيضا . إنه مصطلح أكثر قدما بآلاف السنين , من كلمة الشعب , و ليس ثمة ما يبرر اختياره لترجمة كلمة Nationalism سوى حاجة المترجم إلى اسم جديد , لمعنى الشعوبية .
فكلمة القومية مصطلح جديد حقا على لغتنا و تراثنا معا . إنها كلمة لم يستعملها القرآن , و لم يستعملها الرسول , و لم ترد مرة واحدة , ضمن نص عربي واحد , في أي عصر من العصور . و داخل كلمة مجهولة الهوية إلى هذا الحد , كان من السهل أن يدس المترجم العربي , ما تعنيه كلمة Nationalism في كلمة عربية ليس لها تاريخ .
يفضح هذا الدس أن كلمة Nationalism مصطلح له تاريخ محدد , ظهر في أوربا , خلال القرن التاسع عشر للتعبير عن انتفاضة شعوب و ليس قبائل أوربا , في بلدان صناعية متطورة مثل ألمانيا و إيطاليا . و هو مصطلح يعني شعبا و ليس قوما , لأن كل شعب من شعوب أوربا , جمعته لغة واحدة , في دولة واحدة . و لو أن كلمة Nationalism , كانت تعني القومية لتفرق الأوربيون , في دويلات قبلية إلى مالانهاية على غرار ما حدث في الوطن العربي .
و الواقع , أن هذا المصطلح , جاء بمثابة رد على الأدارة الأقطاعية في شرق أوربا , بعد أن خسرت شعوب هذه المنطقة , رابطة الدين الواحد , و الدولة الواحدة , تحت سلطة آل هابسبورغ , أصحاب الأمبراطورية النمساوية المجرية , و بات عليها ن تلتمس وحدتها في اللغة و الأرض , بدل الدين و الدولة , و تستقل بشؤونها في إدارات منفصلة , تنقسم بقدر ما تضم من اللغات . و لهذا السبب , ارتبط تاريخ هذه الكلمة في أوربا , بنجاح كل شعب , يتكلم لغة واحدة , في تأسيس دولة واحدة , دون أن يتحقق مثل هذا النجاح في الوطن العربي .
فمشكلة مصطلح القومية العربية , أنه مصطلح لا يملك شريعة إدارية في تراثنا , سوى شريعة القبائل قبل الأسلام . و هي شريعة لا تنظر إلى وحدة اللغة أو العقيدة , بل تنظر إلى اختلاف الأنسان , مما يسهل تقسيم العرب دستوريا , في وحدات قبلية , بدل جمعهم في ثقافة عربية واحدة . و إذا كان ظهور مصطلح القومية العربية , قد رافقه تقسيم الوطن العربي , رغم لغته الواحدة و ترابه الواحد , بعكس ما حدث في أوربا , فذلك أمر مرده , إلى أنه مصطلح , جاء خصيصا لأداء هذا الغرض , في وطننا العربي بالذات , بسد الطريق أمام مصطلحات الشرع الجماعي في الأسلام , و تغييب الثورة العربية , وراء كلمة وهمية ليس لها جذور في تراثنا , ولا تملك نظاما إداريا , بديلا من نظام الأحزاب , و لا تملك شريعة بديلة من شريعة رأس المال . و لعل الدليل الظاهر على هذه النية المبيتة , أن المترجم اختار كلمة القومية العربية بدل الشعوبية العربية , دون مبرر منطقي واحد سوى حاجته الملحة لدس فكرة قديمة في كلمة جديدة مختلقة من العدم .
إن اسطورة حصان طروادة , الذي فتح أبواب طروادة من داخلها , تبدو اسطورة مستحيلة - وممتعة - حتى نتذكر ما فعل المترجم العربي في لغتنا العربية , دون حرب , و لا حصان .
---- ( 2 ) : لأن اللغة الروسية , لا تملك كلمة تعني (( الحكم الجماعي )) , فقد اضطر الروس إلى نقل المصطلح اللاتيني , كما أورده كارل ماركس Communism الذي يعني - إداريا - حكم الأغلبية , و ليس حكم العمال .
بعد ثورة 1917 استعمل لينين كلمة الأغلبية Bolshevics لكنه لم يعن بها أغلبية الروس , بل أغلبية أنصاره في الحزب الديموقراطي الأشتراكي . و هم الأنصار الذين التفوا حول نظريته الداعية إلى تصعيد الثورة , بإقامة حزب عالمي من الثوار المحترفين . و أسسوا حزبا لينينيا قائما على مركزية السلطة , و سيطرة قيادة الحزب . في الصيغة التي فصلت بين الماركسيين في روسيا , و الماركسيين في بلدان الغرب , حتى الآن .
هذه الصيغة اللينينية , فرضها الروس على جميع شعوب أوربا الشرقية , بعد انتصارهم في الحرب العالمية الثانية , ثم فرضوها على الصين , و شرق آسيا , و قاتلوا لفرضها على بلد إسلامي مثل أفغانستان , باعتبارها (( الحل الماركسي العلمي الصحيح الوحيد )) لقضية الحكم الجماعي . و هو ادعاء أمكن إثباته دائما بدبابات الروس . أما دون الدبابات , فإن أحدا لا يصدق كلمة مما يقوله الروس بالذات . فكلمة Communism لا تعني ((سلطة الحزب )) , إلا إذا كان الحزب قد اغتصب السلطة لنفسه , و في ما عدا ذلك , فإن المصطلح الذي استعمله كارل ماركس , يعني - فقط - سلطة الأغلبية , و لا يمكن تفسيره أصلا , إلا في إطار إدارة جماعية , محررة من نفوذ المؤسسات الرأسمالية و العسكرية معا . و ليس المؤسسات الرأسمالية وحدها . و لعل تاريخ الأدارة السوفياتية , شاهد في حد ذاته , على مدى الشلل الأداري الناجم, عن تجاهل هذه الحقيقة , في نظرية كارل ماركس .
فخلال سبعين سنة , من قيادة الأتحاد السوفييتي (( للدول الصديقة )) في (( مسيرة الثورة العالمية )) كان الأتحاد السوفييتي قائدا دون أصدقاء , و كان في حاجة لاستعمال دباباته , لكي يختطف حلفاءه , لأنه كان عاجزا عن كسب ولائهم دون خطف . و إذا لم يكن هذا الواقع , دليلا مخيفا على فساد التفسير اللينيني , فلا بد أن قيادة الأتحاد السوفييتي لم تكن تخاف من الأدلة .
إن رئيس الوزراء , ميخائيل غورباتشيف , الذي افتتح عهده بحملة علنية على فساد أجهزة الحزب , كان يجب أن ينظر حوله مرة أخرى , و يكتشف أيضا , أن هذه الصيغة الروسية الفاسدة , مجرد بديل عن الصيغة العالمية التي تخاطب كل الأمم , و أن دولة إسلامية مثل أفغانستان , لا تحتاج إلى غزوها بقوات عسكرية , لكي تتعلم نظام الأدارة الجماعية من لينين , لأنها تملك هذا النظام في لغتها و تراثها . و ليس من السياسة - بل من فساد السياسة - أن يرسل الروس جنودهم , لكي يعلموا الأفغان درسا , تعلمه الأفغان منذ ألف سنة على الأقل .
و كان يجب على غورباتشيف أن يرى , أن غزو افغانستان - و ليس الرشوة فقط - دليل أساسي آخر على فساد الأدارة الحزبية التي إنتقدها , و أن إصلاح أخطاء الحزب , لا يتم بتسريح الموظفين المرتشين وحدهم , بل يتطلب أيضا سحب الجنود الروس من أفغانستان , و الخروج من ورطة دموية , لا مبرر لها , سوى جهل رجال الحزب أنفسهم .
أن الأتحاد السوفياتي لم يكن يحتاج إلى دبابات في أفغانستان , بل كان يحتاج إلى أن يغير موقفه غير العلمي من الأسلام , [/size]و هو موقف ورثه عن الصليبيين و ليس عن ماركس , فالأسلام لا تمثله مؤسسة دينية مثل اليهودية و المسيحية , و لا يدخل بالتالي في تعريف ماركس للدين . إنه النظام الجماعي الذي نقل عنه ماركس دون أن يدري . و هو صيغة متطورة جدا , و دقيقة جدا , قادرة على إقرار سلطة جماعية أكثر فعالية - و عدلا - من سلطة الحزب . و لو شاءت الأدارة السوفياتية , أن تغير موقفها العقائدي الساذج من الأسلام , و تكتشف دستور الأدارة الجماعية في هذه العقيدة العالمية , لكان بوسعها أن تخاطب الأفغان بلغتهم , و تدعوهم إلى إحياء نظامهم الجماعي الذي يعرفونه في القرآن , و تكسب لنفسها صديقا حقيقيا في صراعها ضد الأقطاع و الرأسمالية . و هي مكاسب ما كانت لتكلف السوفيات جنديا واحدا , لأن (( الثورة العالمية )) التي يريد الحزب اللينيني أن يقودها , لها قيادة عالمية فعلا , تخاطب أجيال الناس , بلغة واحدة , منذ أربعة عشر قرنا . و لم يكن هناك ما يبرر تجاهل الروس لهذه الحقيقة , سوى عجز إدارتهم الحزبية عن تمثيل مصالح الروس . [size=large]
|