(10-28-2009, 08:58 PM)هاله كتب:  أستاذ بهجت

اقتباس:هذه القراءة تضع المرأة في مكانة يأباها الخلق القويم و يرفضها الرجل الحر الكريم لأمه و ابنته و أخته

أنا برأيي أن المسلمين الذين يتمسكون بتلك القراءة غير أسوياء نفسيا و يمثلون شكلا من أشكال ال abusive and insecure characters و بالتالي المشكلة ليست معرفية كما أراها بل نفس-اجتماعية. بمعنى عدم التكيف مع العالم المعاصر و المشاكل الضاغطة كالفقر و التهميش على الصعد المحلية و العالمية تساهم في صنع تلك المشكلة. انسان يعيش ظروفا طبيعية و لديه الثقة بالنفس و المجال لتحقيق الذات يصعب أن تجده يعاني من تلك الاضطرابات النفسية و التنفيس في انسان آخر لتعويض هزائمه و عاهاته.

دونت يو ثنك سو؟

هالة .
يا صديقتنا العزيزة .
من وجهة نظر موضوعية يمكن حصر مجموعات متنوعة من الأسباب التي تؤدي إلى التعصب ضد المرأة ، و ليس فقط الأسباب السيكولوجية الفردية ، أهمها تلك النظريات التي تفسر التعصب و التمييز الجماعي تجاه المرأة ، من بين تلك النظريات نظرية التعلم الإجتماعي التي يعتبر (بندورا) أشهر دعاتها ، و ترى أن التمييز ضد المرأة هو عباره عن مقياس إجتماعي يتعلمه الفرد من مجتمعه كما يتعلم أي شيء آخر ، فالآباء و المعلمون و الأصدقاء و الإعلام بشكل خاص كلها تلعب الدور الأساسي في اكتساب التمييز ، و الأطفال لا يتعلمون فقط التعصب من مجتمعهم و لكنهم أيضا يتعلمون أشكال التفاعل مع الجماعات الأخرى سواء بالتفاهم أم بالإزدراء و العنف ، وهذه النظرية تقدم تفسيرا منطقيا مقبولا لتعصب قطاع كبير من الأفراد الذين ينتمون إلى ثقافة واحدة و نظام تعليمي بعينه ، و يمكن لهذه النظرية مثلآ تفسير الإتجاهات التعصبية للشباب السعودي بل و المسلم الذي ينشأ و يتعلم في المجتمع السعودي ، أو يتأثر بالسلفية الوهابية ، نتيجة تكوين معارفه في مجتمع يدين برؤية أحادية معادية للمرأة .
يرتبط بالتعلم ظاهرة أخرى هي المسايرة conformity التي تؤدي إلى تغير في سلوك الفرد نتيجة ضغوط المجتمع الحقيقية أو المتخيلة ، فالفرد الذي يبدي أفكارا متسامحة تجاه المرأة في لقاءات فردية يتخلى عن اتجاهاته و يتبنى أفكارا أكثر تعصبا في اللقاءات الجماعية كي يساير المجتمع ، نتيجة حاجة الفرد الشديدة إلى الإنتماء .
و لكن حتى تلك النظريات لن تكون مقنعة و شاملة عند التعامل مع ظاهرة ثقافية مثل ظاهرة التمميز ضد المرأة في مجتمع متسامح تاريخيا مثل المجتمع المصري ، فنحن عندئذ نتحدث عن ظاهرة بالغة التركيب .. ظاهرة ثقافية المحتوى ذات قاعدة معرفية cognitive basisواضحة ، نحن لا نتحدث عن مرضى سيكوباتيين و لكن عن أصحاء يقومون بأفعال مبررة تماما لديهم ، هذه النظرية تذهب إلى أن التعصب prejudiceو الأفكار النمطية prototypical ideas السلبية ضد المرأة ليست فقط نتيجة التعلم الإجتماعي أو عدم مقدرة بعض الأفراد على إزاحة عدوانهم ،و لكنه ينتج من عملية التفكير الطبيعية للأسوياء نتيجة مرجعيتهم المعرفية الخاصة والمفارقة لقيم التعايش الحضاري ، و لعل من أهم النظريات المعرفية التي تعالج ظاهرة التعصب المعرفي هي نظرية نسق المعتقد Belief System Theory للعلامة ( روكيتش ) ، و يمكن تفسير نسق المعتقد بأنه كل المعتقدات و التوقعات و الحالات و الفروض الشعورية و اللاشعورية التي يقبلها الفرد و يعدها حقيقية كحقيقة العالم الذي يعيش فيه ، و بالتالي تصبح الأفكار النمطية -التي تكون دائما سلبية تجاه المرأة و إيجابية عن الرجل - مكونا أساسيا للموروث heritage الثقافي و الإجتماعي ، و يؤدي هذا النوع من التقكير عن طريق الصور النمطية الغير مبررة عقليا إلى تشوهات في إدراك الذات self- perception و الآخر ، و تؤكد الدراسات السيكولوجية الإجتماعية إلى إرتباط تلك الأفكار النمطية بالتعصب prejudice ضد المراة و بالتالي إلى التمييز ضدها ، فالأصولي يدرك الواقع فقط خلال نماذج نمطية ذات طبيعة دينية ، و بالتالي لن يدرك المرأة .. أي إمرأة .. ككيان مستقل له خصائصه و صفاته الشخصية ،و لكن سيميزها فقط ضمن نموذج المرأة الناقص الذي يرسخه معتقداته الدينية .
و النتيجة هي ما نلمسه الآن عندما تحول المصريون من بناء مجتمعهم و تطويره إلى وضع النقاب حول المرأة ،و الإستعداد لخوض الحروب الدينية المقبلة ، و هكذا فقدوا أي توقعات ايجابية بالمستقبل الذي يزداد إظلاما في عالم يرونه كافرا و معاديا .
.............................
كي أوضح الفكرة بلغة مباشرة بعيدا عن اللغة الإصطلاحية التي لا تروق لبعض الزملاء .
أخطر أنواع التمييز ضد المرأة هو الذي ينتج عن المعتقدات الدينية ، في هذه الحالة لا يكون الإنسان المتعصب مريضا ولا عدوانيا ،و لكنه إنسان طبيعي تماما في كل شيء عدا تشدده ضد النساء أو المخالف دينيا مثلآ ، وهو لا يشعر حتى بأنه يقوم بشيء يدعوا للنقد أو الإستهجان ، فهو يرى موقفه طبيعيا تماما ، استجابة لأفضل بواعثه وهو الإمتثال لما يراه أوامرا صدادرة من الله ، مثل هذا الشخص تنتقل إليه الصورة النمطية للمرأة كإنسان ناقص خلال ميراثه الديني و الثقافي ، هنا لن يرى الرجل أن المرأة عورة كلها بل سترى المرأة نفسها كذلك أيضا ، في هذه الحالة لن يسعى الرجل فقط لسجن زوجته أو ابنته في معتقل النقاب بل ستهرع الزوجة و الإبنة إلى ذلك الأسر و ستدمنه إرضاء لإله سادي تتصوره ، و ستقول في صوت ذليل ( يتقبل الله !) ، لن يفكر الإنسان في أن هناك تمميزا ضد المرأة ، و لكنه سيمتثل لكل تداعيات التمييز امتثالآ دينيا بلا تفكير ولا تردد .