" إن العلمانية لا تمتلك وحدها القدرة على إيجاد حلول للأسئلة الكبرى حول الوجود الإنساني ." جوكن هابرماس.

(11-27-2009, 06:57 PM)special كتب:  

اقتباس:ففي المجتمعات المتخلفة كالمجتمعات العربية لا توجد أنظمة أخلاقية وضعية ، و الأديان هي الوعاء الوحيد الحافظ للأخلاق

شكرا جزيلا لك يا بهجت .. سعيد دوما بما تنقله لنا من أفكارك المنظمة والقويّة ..
ولكن استوقفتني العبارة اللي اقتبستها .. وكأنك تؤكد أنه لا يمكن الحفاظ على الأخلاق في مجتمعاتنا العربية إلا عن طريق احتواء هذا الوعاء الديني .. لماذا ؟؟
ألا يمكن للعرب أن يستفيدوا من تجارب آخرين في وضع أنظمة أخلاقية وضعية ؟؟ ولا يجعلون الإحتكار فقط للدين ؟؟ أم أن الموضوع أكبر من ذلك والمشكلة أن الثقافة الدينية ضاربة جذورها في أعماقنا أكثر مما نتصور بحيث لا يمكننا أن نلغي الدين (الوعاء حافظ للأخلاق) هكذا بدون مقدمات تنويريّة طويلة الأمد يطول البحث والتفكير بها ؟؟

أتمنى أن أقرأ ردّك وتوضّح لي أفكارك هاهنا ..
كل الشكر مجددا على مجهود الرائع ..

الأخ special

أشكرك على تقديرك و مساهمتك .
توقفك عند قضية الأخلاق الدينية و الأخلاق العلمانية هو توقف عند قضية ذات أبعاد متعددة ، ولو ذهبنا إلى جذورها فسوف نستدعي مادة كبيرة من الصعب الإبحار فيها بشكل متعجل ، لهذا سأضع ردي على هيئة نقاط موجزة أو رؤوس أقلام .
1- حديثي عن الأخلاق هو حديث عن الأنظمة الأخلاقية morale systems و ليس عن فلسفة الأخلاق ethics .
2- هذا الموقف الإيجابي من الأخلاق الدينية الذي عرضته هو موقف تأسيسي ، و ربما كان في حاجة للمراجعة بعد سنوات من الإستغراق في ذات القضايا ، بما في ذلك فلسفة الأخلاق ، و لا أنكر أن هذا الموقف كان هدفا للنقد من زملاء إنطلاقا من القيم و التقاليد العلمانية الصلدة hard secularism في نموذجها الماركسي تارة و في نموذجها الفرنسي الحداثي تارة أخرى .
3- هناك نوع من التناقض الظاهري أحيانا في بعض ما نطرحه كعلمانيين ، و إني أعي أن ذلك التناقض نتيجة إختلاف بين المستنير و التنويري ، فالمستنير يستطيع أن يتبنى ما يشاء من أفكار و أن يعبر عن قناعاته بحرية تامة ، و لكن التنويري يستهدف الآخرين ،و بالتالي سيكون هناك حدود لما يطرحه ، أهم تلك المحددات هي الجدوى ، فلا يمكن أن نخاطب الناس مطالبين بما لا يفهمونه أساسا ، فعلى سبيل المثال يمكن للمستنير أن يكون لا ديني ،و لكن التنويري لن يستطع أن يمضي أبعد من رفض الأصولية و الدعوة إلى نموذج عقلاني متسامح من التدين .
4- عندما نترك متعة العالم الإفتراضي و نعود إلى الواقع سنجد أمامنا مجتمعا أشبه بالقطار المتوقف الذي لا يتحرك ، و بالتالي فإما أن نتجاهله و نعود للتأملات الفلسفية أو نفكر فيه و نسعى لإصلاحه ، في الحالة الثانية أرى أن نفعل ذلك على خطوات و ليس طفرة أو حزمة واحدة ، كخطوة مبدئية نركز فقط على أن نصلح المحرك و ندفع القطار للتحرك ، على أن نصلح المقاعد و دورات المياه و .... في مرحلة تالية ، و لا نملك سوى العقلانية أداة لذلك ، أو بعبارة أخرى العلمانية هي الحل ، و كما ذكرت في مداخلة سابقة فالعلمانية لها أنساق متعددة ، أعسرها على الإطلاق هو النسق الفلسفي الذي أرى تأجيله ،و أن نركز على النسق السياسي ، أي على العلمانية السياسية .
5- عندما ننجح في تحريك القطار سنخلق بذلك المناخ كي ندفع العلمانية إلى باقي الأنساق ، و سيكون لدينا الحرية لمراجعات متتالية و مستمرة للأنظمة الأخلاقية القائمة .
6- على المستوى الشخصي لا أحبذ أن نلغي الأخلاق الدينية كونها دينية ، و لكن أن نلغي فقط كل ما هو ضار بالمجتمع و التعايش السلمي مع الاخر ، و كل ما يكبت الحرية ، إن العالم كما أراه يتسع و بالترحاب للنموذج الليبرالي من الدين ، إني في هذا أتفق مع المفكر الأمريكي Wilfred M. McClay ، بأن التجربة التاريخية تعلمنا أن العلمانية في حاجة إلى الدين كما أن الدين في حاجة للعلمانية ، وفي هذا فإني أفهم الأخلاق الدينية بأنها نسخة من الأخلاق التقليدية القديمة القائمة على الصدق و الإخلاص و الأمانة و العفة و الرحمة و .... الخ .
7- كما أطالب الدينيين أن يروا كيف أن العلمانية حررتهم كما حررت المجتمع من حالة العماء التي تخلقها الأصولية و التعصب الديني ، فإني أطالب العلمانيين أيضا ألا يصيبهم العماء ،و أن يروا أن القيم العليا التي يدعون إليها ذات جذور دينية !، علينا ألا نتعجل في رفض كل الأخلاق الدينية فكما يقول رجل بحجم الفيلسوف البارز هابرماس Jürgen Habermas أن العلمانية لا تمتلك وحدها القدرة على إيجاد حلول للأسئلة الكبرى حول الوجود الإنساني .
الموضوع كما ترى يتسع للكثير جدا مما يمكن أن يقال ، و أتمنى أن أعود لنفس النقطة في مداخلة اطول عن الأخلاق العلمانية .