الحكاية في القصة بسيطة تتناول البطل الذي يذهب للقاء أصدقائه ولكنه يقابل أحد أصدقائه الذي نكتشف فيما بعد أنه ميت بعد أن دهسه لوري , يجلس معه علي مقهي ويتبادلان الأحاديث وخلال ذلك يتصل به عبده وهو صديق مشترك لهما فيعرفه المكان المتواجد فيه ولكن عبده لا يهتدي لهذا المكان فيطلبه مرة أخري لكي يحدد له المكان بدقة فيستأذن الجالس معه ويذهب إلي عبده و يطلب منه الإسراع لكي يريه المفاجأة وهي وجود هذا الصديق الميت علي قيد الحياة ولكنه عندما يصل إلي المكان لا يجد المقهي ولا يجد الكراسي ولا الطاولات لقد تبخر كل شئ فجأة فيجلس علي الرصيف حائرا .
في هذه القصة استطاع الزميل / spring 56 أن يتوصل إلي ( سر الخلطة القصصية ) التي لم يستطع من قبل التوصل إليها في أعماله المنشورة هنا – هذا في رأيي – ولكي نتفاعل مع القصة دعوني أوضح أولا الحيلة التي اصطنعها كاتبنا .
يوجد ضمن الأمراض العقلية مرض الفصام ( الشيزوفرينا ) وهذا المرض يتميز بوجود هلاوس سمعية وبصرية وينفصل فيه المريض عن الواقع ولا يستطيع التفرقة بين الخيال والحقيقة , استغل الكاتب هذه التقنية من هذا المرض النفسي لكي يجعل البطل يعايش مكانا واقعيا وخياليا في ذات الوقت وزمنا واقعيا وخياليا أيضا , فالحدث الذي تدور حوله القصة لا يمكن للقارئ أن يقبض عليه , أهو في حدث حقيقي أم حدث تخيلي , إن واقعة موت الصديق مؤكدة لدي البطل وهو مندهش من وجوده علي قيد الحياة بعد أن شاهد دفنه ويريد أن يؤكد هذه الواقعة بشاهد آخر يري هذه الأعجوبة وعندما يتصل به عبده يجدها فرصة سانحة لكي يحقق ذلك , ولكن وفي اللحظة الحاسمة التي يمكن فيه التحقق من الواقعة تتلاشي الواقعة ولا يمكن القبض عليها , وهذه الفكرة الآتية من تقنية المرض النفسي المشار إليه تجعلنا نري بطلنا دائرا بين عدة أزمان وأمكنة لا يستطيع معها القبض علي أي منها ,فنحن أمام واقعتين هما واقعة مقابلة الشخص الميت والحديث معه وواقعة مقابلة الصديق عبده وكلتا الواقعتين منفصلتين عن بعضهما وبالتالي نكون غير متأكدين من واقعية وحقيقة أيهما , وبالتالي فإن الكاتب يضعنا في حالة تداخل بين الأزمنة والأمكنة شبيهة بحالة ذلك المرض العقلي ( الفصام ) .
من ناحية السرد استعمل الكاتب ضمير المتكلم لكي يوصل فكرة ذاتية الحدث أو إيهام القارئ بدورانه داخل ذات المتكلم وهو استعمال جيد يتفق مع التقنية التي شرحتها .
من ناحية الرسالة ( message ) كما يحلو للعزيزة / هالة فهي واضحة وهي عقدة القصة ذلك أن ما يجعل بطلنا في هذه الحالة من الغربة والانفصال عن الواقع هو ما دار الحديث عنه بينه وبين صديقه الميت وهو البحث عن شقة وسط البلد أي التواجد الاجتماعي الحقيقي ووسط البلد لا يعني وضعا طبقيا متميزا قدر ما يعني التواجد أو البروز علي السطح أي لا تكون شخصا مغمورا وآية ذلك أن الحديث يدور بين البطل والشخص الميت عن النازحين من القري إلي المدينة وكذلك الحدث يدور في مقهي بشارع شامبليون والطموح لدي المتحدثين هو السكن بشارع طلعت حرب وهي أماكن في وسط البلد ,والشخصيتان يتحدان في هذا الموقف ,والبطل يتوق نفس توق صديقه الميت للتواجد في وسط البلد .
وقد رأينا تلك الأزمة تطل علينا وهي أزمة اقتصادية في أصلها تتحول إلي أزمة اجتماعية وثقافية ونفسية بوضوح في القصة وكانت محركة الحدث .
القصة جيدة في مجملها وننتظر من الكاتب السير علي الدرب في أعمال أخري , ويبقي أن أشير إلي بعض الهنات البسيطة التي لا تضر العمل وأظنها من لوحة المفاتيح مثل
اقتباس:لن أخبر عبده أني كنت جالس معه منذ دقيقة واحدة على القهوة
صحتها جالسا
اقتباس:عرقي ينسال على وجهي ورقبتي
صحتها ينثال
وأخيرا إليكم هذه
الأغنية الجميلة
كوكو