دروس من أزمة دبي
د.فهد الفانك (محلل وخبير مالي واقتصادي)



كانت تجربة إمارة دبي نموذجا للنجاح الذي وصل درجة المعجزة الاقتصادية. وطالما سمعنا مسؤولين ومنظرين أردنيين يعبرون عن إعجابهم بالتجربة ويطالبون بالاستفادة من درس دبي، واقتفاء أثرها في خلق الرواج والازدهار.

دبي ركزت على قطاع واحد هو العقارات، فأشادت أبراجا وناطحات سحاب تزيد كثيرا عن حاجتها، ومولت هذا المشروع الكبير بالديون. مديونية دبي الآن تتجاوز 80 مليار دولار، أي 12 ضعف مديونية الأردن عندما وقعت الأزمة المالية المعروفة قبل عشرين عاما، فما هي الدروس المستفادة من هذه التجربة المرة؟.

الدرس الأول هو أن تمويل المشاريع بالدين ليس مجديا، وأنه الطريق المضمون لبناء الأزمة، فخدمة الديون (أقساط وفوائد) تتجاوز طاقة المشاريع على تحقيق فوائض للتسديد.

الدرس الثاني أن المشاريع الكبرى التي تفوق قدرة البلد المالية والإدارية ليست الطريق المضمون لحرق المراحل وصنع المستقبل بل للدخول إلى عنق الزجاجة.

الدرس الثالث أن الاستثمار العقاري بالذات لا يفيد إلا بقدر تلبية الحاجة المؤكدة، فالفائض غير قابل للتصدير. وليس صحيحا أن توفير المكاتب الفارغة يجذب الشركات لإشغالها، بل أن تزاحم وتنافس الشركات وارتفاع الإيجارات هو الذي يخلق المكاتب التي تلبي الطلب.

الدرس الرابع أن الاقتصاد السليم والقوي تقوده مؤسسات تخضع للمحاسبة الدقيقة وتطبق الحاكمية السديدة وتأخذ قرارات محسوبة.

العقارات كانت أم الأزمة الكبرى التي تفاقمت في أميركا، فقادتها إلى أزمة مالية واقتصادية ضربت العالم. وكانت العقارات شرارة الأزمة التي ضربت دبي. وعندما أثرت الأزمة العالمية علينا في الأردن، كان أكثر القطاعات الاقتصادية تأثرا بها هو القطاع العقاري الذي يمثل نقطة الضعف لعدم قدرته على التكيف السريع مع المتغيرات.

عندما يتعلق الأمر بالعقارات فإن الطلب هو الذي يخلق العرض وليس العكس. وهذه حقيقة بسيطة لم يرغب بعضنا في استيعابها فدفعوا ثمنا باهظا.

ما حدث في دبي هز أسواق العالم، وسدد ضربة موجعة لعدد من أكبر البنوك الأوروبية والأميركية التي مولت (المعجزة) الاقتصادية، ووصل الأمر إلى حد التخوف من تهديد حركة الانتعاش الاقتصادي العالمية بالانتكاس.