RE: وضع خاص
عندما نحلل مشاهد القصة من ناحية الخيط الأول وهو التفكك في الزمان والمكان وروابط السببية نجد أن الكاتب استعمل تقنية عمل الحلم بما يبيحه من مرونة في كسر الألفة المنطقية بين الأحداث المتتابعة فمثلا في المشهد الأول نجد أن حركة ضرب الكرة لأعلي يتبعها ظهور مجموعة أخري من اللاعبين فجأة يفعلون نفس الشئ وهذا غير متوقع , ثم فكرة إيصال الكرة إلي السماء أو إلي القمر فكرة غير معقولة ثم غياب الكرة في السماء طويلا ثم نزولها إلي الأرض وتكسرها وتحولها إلي قطع صغير أمور غير معقولة ولا يمكن أن يحدث هذا إلا في عالم الحلم وعلي هذا المنوال يمكن أن نري بقية المشاهد ما يهمني هنا هو الدلالة الناتجة من هذا المشهد إن البؤرة في المشهد هي السماء فما هي الدلالة المراد إيصالها للقارئ أهي دلالة اجتماعية متمثلة في العلو والسمو والرفعة ومحاولة التجاوز أم دلالة دينية متمثلة في محاولة المعرفة الدينية أم دلالة ثقافية متمثلة في كسر محرمات معينة أم دلالة سياسية متمثلة في رفض القوي المتسلطة أم دلالة مرتبطة بالتفوق العلمي علي صعيد التسابق العالمي , لا يسعف المشهد بمكوناته بإعطاء المتلقي دلالة محددة من كل هؤلاء ولا يبقي أمامنا إلا التجريد الذي وقع فيه المشهد والذي يجعلنا لا نستطيع القبض علي الدلالة بشكل محدد حتي يمكن ضمها إلي الدلالات المتلقاة من بقية المشاهد القصصية , وعلي سبيل المثال فقد عالجت في قصتي ( طائرة ) وهي منشورة هنا في النادي من مدة فكرة السماء ولكني – علي ما أعتقد – وضعت من المحددات للدلالة ما يجعل القارئ في وضع يسمح له بإنتاجها , أي أن نمده من خلال أدوات القص بما يمكنه من ذلك , لنأتي إلي العناصر في المشهد المطروح , نأخذ الضوء الأصفر الذي يعني نقيضين فهو يعبر عن البهجة والتفاؤل ويعبر عن الموات والذبول في آن واحد أي يجمع بين نقيضين ,حسنا ماذا يعني سيطرته علي المشهد في بدايته ,أي معني يمكن أن نتأوله منه و وما علاقته باللون الأسود في أول المشهد وترك المساحة له في نهاية المشهد , لم يبق لنا إلا ما ذكرته في مداخلتي السابقة وهي أن المشاهد لا ترمي إلي إنتاج دلالة وإنما إلي خلق حالة وجدانية انفعالية لدي المتلقي دون دلالة ما , وجمال النص يأتي من كون المتلقي قادرا علي النظر للعالم الذي يعيش فيه في ضوء النص الذي قرأه وهذا لا يمكن أن يتم إلا إذا استطاع القبض علي دلالة يراها في واقعه ومن هنا جاءت النظريات الثائرة علي البنيوية التي ترفض البعد الواقعي للنصوص بكافة أشكاله جاءت لتأخذ الدور الهام في النقد مثل البنيوية التوليدية للوسيان جولدمان ونظريات السياق بكافة أشكالها وأهمها السياق الاجتماعي .
فإذا نظرنا إلي المشهد الثاني سوف نجد نفس ما أشرت إليه , الصورة الحلمية مرة أخري حيث عدم الألفة المنطقية بين العناصر , فلا يمكن واقعيا رؤية كم هائل من الحيوانات النافقة ولا وجود للبشر في مدينة – لأن الكاتب يضعنا في جو مدينة بظهور أعمدة الإضاءة – ثم تتحول أعمدة النور إلي طائر كبير جدا لونه أصفر ويخاف بطل المشهد عند توغله في السير من فقد علامة الرجوع – الطائر - ثم يأتي الطائر محلقا فوقه ثم ينتهي الأمر باختفاء الطائر في السماء وعدم بقاء أي ضوء , ما هي الدلالة الناشئة لدي القارئ من هذه العناصر ؟ لايمكن القبض علي دلالة بعينها وكذلك دلالة اللون الأصفر بجمعها بين نقضين حسبما أشرت سابقا لا تسعف في تجلية الرؤية فلا يبقي لنا في النهاية إلا الانفعال وهو حالة عدم الاهتداء والضرب في العالم ضرب عشواء , يتكرر في المشهد الثالث نفس المنوال الصورة الحلمية مرة أخري إذ لا يمكن أن تدعو سيدة شابا يحمل ( سكوتر ) للدخول لشقتها للنزول من الناحية الخلفية , ولا يمكن أن تكون الشقة في الدور الأرضي ثم نكتشف أنها من الناحية الخلفية عالية جدا عن الأرض وهكذا , بطل المشهد هنا يحاول اللحاق بموعد حبيبته ولكن تلك الظروف تمنعه من اللقاء , والعناصر المبثوثة في المشهد – السيدة العجوز الراغبة في المساعدة , زوجها الكاره لضوء النهار لا تتآزر معا للقبض علي دلالة ما , كأن يقول الكاتب مثلا أن الحبيبة تنتمي إليهما بشكل ما مما يمهد لنا بأن عدم القدرة علي التحام الحبيبين يرجع لضغوط اجتماعية ناشئة من سطوة المجتمع الأبوي مثلا بينما الأم – المرأة العجوز - مقصاة , ولكن العناصر لا تسعف بهذه الدلالة , كذلك فإن اللون الأصفر المنبث من أعمدة الإضاءة لا يعطي أي رابط فلا يبقي لنا سوي الانفعال بحالة الإحباط التي يعيش فيه ذلك المحب الذي لا يستطيع اللقاء مع الحبيبة جراء ظروف لا ندري كنهها دلاليا إذ لا مردود اجتماعي أو ثقافي لها يمكننا من إنتاج الدلالة , وفي المشهد الأخير نفس الصورة الحلمية الجلوس فوق الهرم بعدم معقوليتها وتبادل إطلاق الرصاص مع من يحاولون استنقاذ الهرم من بطل المشهد وصديقه وينعت نفسه وصديقه باللصين ثم يستسلم علي إثر موت صديقه ويجلس مع الجنود ويتبادل معهم الحديث وكأنه لا صراع بينهما ثم تنطلق رصاصتان نحوه ليس من الجنود ولكن من مكان آخر وبطل المشهد مندهش , هنا أيضا مجموع العناصر لا تسعف بإنتاج أي دلالة , فالهرم بدلالته علي التاريخ أو التراث الوطني صعب أن نربطه بمفهوم السرقة لأنه ببساطة ملكنا فنحن لسنا بالسارقين بل هم , وصعب أن نربطه بالعلو والسمو والارتفاع لأن هذه ليست دلالة أصلية بل فرعية وصعب أن نربطه بأي فكرة أخري لأنه لا يوجد أي دلالة يمكن الوصول لها من العناصر الواردة في المشهد , أما اللون الأصفر وهو العنصر الرابط بين المشاهد فلا توجد له أدني علاقة , فلا يبقي في النهاية سوي حالة الانفعال التي يخلقها المشهد فينا وهي حالة عدم الاكتمال أو عدم التحقق التي يبثها المشهد والتي تتفق مع الحالات الانفعالية في المشاهد السابقة وهذا ليس بالعنصر الكافي بل لابد من إنتاج دلالة متصلة بالواقع كما سبق وأن أوضحت .
نخلص إلي أنه في القصة التي يعتمد فيها الكاتب في صناعة قصته علي مشاهد مختلفة مثل قصة السرير للأستاذ / سمير الفيل التي سبق وأن تعرضت لها في النادي هنا يجب أن يكون هناك رابط دلالي يجمع بين المشاهد ناهيك عن وجود دلالة متناسقة في المشهد الواحد .
نأتي إلي طريقة الكتابة , أري أن هناك زيادات لا أهمية لها مثل (حيث نجد أياما حارة تتبع أياما باردة، فنتعجب التغير المفاجيء في الجو ودرجة الحرارة ) في المشهد الأول ومثل (عريض جداً، ربما يزيد عرضه عن المائتي متر ) في المشهد الثاني ومثل (. السكوتر مزود بموتور كهربائي صغير، يعمل ببطارية صغيرة مثبتة في المؤخرة. أعلم بالخبرة أن البطارية تنفذ بسرعة، أيضا أعلم أني إذا زدت السرعة سيزداد معدل فقد طاقة البطارية ) ورغم أنها هنا ضرورية للحدث فيما بعد إلا أنها طويلة وربما تكون خاطئة علميا .
أما عن الأخطاء النحوية - وهي كثيرة - فلن أشير إلا إلي واحدة فقط وهي استعمال بضع وبضعة فهي تذكر مع المؤنث وتؤنث مع المذكر أما استعمال الأفعال الناسخة فأرجو أن تهتم به لأنه يتكرر معك في الكتابة .
كوكو
|