-"اقف عدل يا حيوان!".
شخص ما
تنويه : طبعاً تلاحظون انني ابتدءت الموضوع باقتباس ، انا لا اعني اي شئ بهذا الاقتباس ، لكنني لاحظت ان المواضيع التي تبدأ باقتباسات تبدو اكثر ثقلاً من المواضيع الاخري.
بدأت مغامرة نيورك علي حين غرة وكانني ابدء فيلما من منتصفه ببوكس في وجه المتفرج ، نزلت في مطار مدينة نيورك المحلي واسمه لا جوارديا ، اخذت اتساءل بيني وبين نفسي عن السبب في وجود اسم لاتيني كهذا في مدينة شمالية ، المدينة لم تعطيني وقتا طويلاً في التامل في السؤال ، لايوجد خط مترو لايصل لا جوارديا ، اما باص نقل جماعي واما ان استقل تاكسي ، طبعا لم اكن لاستقل تاكسي لان كل الافلام والمسلسلات والكوميدي شو تحذرنا من تاكسيات نيورك ، من باب الفضول سالت عن سعر ركوب التاكسي فوجدته سعره يساوي سعر ركوب شرموطة جميلة في اي مدينة اخري ، طبعا اخترت الخيار التاني الا وهو ركوب باص حتي اقرب محطة مترو وليتني مافعلت هذا ، الباص كان مزدحما ويذكرك بالباصات في الافلام المصرية عندما لايستطيع البطل الخروج من الباص حتي في محطته التي يود النزول فيها ، والانكي نوعية الناس التي ركبته كلها من جماعة اللاتينو الذين يتحدثون الاسبانية ويفترضون ان الجميع يتحدثونها ايضا (طوال الرحلة واللاتينو يبدؤون الكلام معي بالاسبانية) المهم وصلت لمحطة المترو بعد بهدلة كبيرة سببها تعقيد شبكة المواصلات بنيورك ، ولعل اسم الباص الذي ركبته يعطيك فكرة عن التعقيد ، ففي مصر مثلاً الباصات لها ارقام وغالبا لايتعدي الرقم خانتين ، اما ان اركب باص اسمه مكون من خمس خانات اثنتان منهما هم حروف فهذا يعطيك فكرة عن تعقيد الشبكة.
المترو ايضا هو مصيبة اخري ، ومعقد بالمقارنة لانظمة المترو التي ركبتها في مدن اخري ، وقذر وقليل الصيانة ، وملئ بالشحاذين وعازفي الموسيقي وبائعي المخدرات (احدهم عرض علي مخدرات في اول ركوب لي للمترو مما شكل دفعه معنوية كبيرة لي في بداية الرحلة) .
المهم وصلنا بعون الله للفندق الموجود باحدي جادات بروكلين ، ومنظر عامل الاستقبال ذكرني بالافلام الامريكية عندما يريد المخرج استفزاز المشاهد فياتي بعامل استقبال مستفز ، اولا الرجل هندي او باكستاني ، ثانيا غير متعاون علي الاطلاق حتي انني اتصلت به وانا في المطار لمعرفة العنوان بدقة لتكون اجابته ساحة "استقل تاكسي" ، اخذ يدقق في الجواز وكانني مجرم بالفطرة ، وبعد ان اعطاني مفتاح الغرفة صعدت لاجد انه لايعمل ، مما جعلني انزل اسب له الدين في منظره دين اهله.
في اليوم التالي اتصلت باخينا نيوترال ، طبعاً انا كنت هناك في موسم الاجازات والتسوق ، نيوترال اعتذر لي بانه لايستطيع مقابلتي لانه مشغل في العمل الان ، ولكنه اردف انه يمكنني ان اتصل به لاحقا ليري مايمكن فعله.
ذهبت لاري "تمثال الخرية" والحقيقة انني صدمت مرة اخري ، اولا للوصول للتمثال يجب علي المرئ ان يركب عبارة ، ولركوب العبارة يجب ان يمر بتفتيش يساوي تفتيش المطارات ، والتذكرة غالية بالنسبة للمعالم التذكارية في الدول الاخري خصوصاُ انه محرم لمس التمثال يعني سنتصور بجانبه فقط ، سالت الموظف عن امكانية الطلوع للتمثال ليقول انه بعد 11-9 "حرم" الدخول للتمثال ، واتاني شعور انهم يريدون حشر كلمة 11-9 في اي جملة يقولونها ، مثلا قبطان السفينة يقول عند وصول العبارة للتمثال: تمثال الحرية هو رمز لحرية و لرخاء ولامن امريكا ، لا اعرف كيف يكون التمثال رمزاً لامن امريكا؟ واضح انم 11-9 سببت لهم عقدة ما.
المهم بعد رحلة التمثال ذهبت لمتحف التاريخ الطبيعي بناء علي تتوصية من نيوترال ، وهو المتحف اللي في مدخلة ديناصور كبير جدا دائما يظهر في الافلام ، هناك ساهدت الكثير من الاحافير اشبعت فضولي العلمي المشدود دائما لموضوع التطور .
في اليوم التالي اتصلت بنيوترال مرة اخري ليقول لي انه وافق علي مقابلتي لكن يجب ان اقترب انا من حيث يسكن هو ، لان ازدحام السيارات خانق بذالك اليوم ، وفعلا ، استقليت قطاراً واقتربت من المكان الذي حدده لي ، وقابلت نيوترال.
لقاء نيوترال كان مخيبا للامل كما هي بقية الرحلة ، اولا هو شخصية مؤدبة جداً ودمث الاخلاق ، لكن خفة دمه هي نفسها الموجودة في كتاباته ، طبعا هي مخيبة للامل لان المرئ كان يتوقع ان يقابل ابن بلد من اللي بيطلعوا في الافلام ، لكن ادق وصف لنيوترال ربما هو الممثل خالد ابو النجا لو طلع في دور واحد ابن ناس ، التقينا بشارع تجاري فيه بار ومقهي ، ذهبت تلقائيا جهة البار لاجده يقول لي انه توقف عن شرب الكحوليات منذ فترة وان علينا الاتجاه للمقهي.
تحدثنا في كل شء ، عن مصر وعن الدين والتاريخ وعن الطبيعة الديموغرافية للشرق الاوسط ، تحدثنا عن اشخاص بيعنهم في نادي الفكر العربي وتحدثنا مستقبل المنطقة المهبب ، تحدثنا عن امريكا .
ودعته وانا مذهول من ادبه ودماثته وعفة لسانه التي لم اتوقعها فعلا ( نو افنس يا نيو) ، وفي اليوم التالي تجولت في ما يسمي بالتايم سكوير وهو المكان الذي ياتي في الاخبار فيه شاشات اعلانية كبيرة وناس يسيرون بسرعة للحاق بعملهم ، حيث ان نيوترال وصاني ان اشاهد شخص اسمه ذي نيكد كاوبوي ، وطبعا اخدت مقلب ولم اشاهده ولا شئ ، وهكذا هي نيورك في رايي مقلب كبير.
اتي يوم السفر واضطررت لركوب المترو ، وحتي اخر لحظة وانا خارج من مقصورة المترو في محطة المطار الدولي لنيورك (جي اف كيه ) كان يحاوطني سرب من اللاتينو ولكنني دخلت باب المطار الزجاجي ليختفوا من حولي وكانهم اصطدموا بحاجز غير مرئي ، نظرت ورائي وانا غير مصدق انني تخلصت من هذا الكابوس.
-"وانت ما اهلك!".
شخص يرد علي الشخص الذي اقتبست منه في بداية الموضوع.