عزيزي بسام
هناك ضرر كبير من تحويل خطوط النقل الداخلي من الميكروباصات إلى باصات تابعة لمؤسسة النقل الداخلي التابعة بدورها لبلدية دمشق. هذا الضرر لايدركه إلا سكان دمشق فقط، أنت وغيرك ممن هم خارج سوريا يتلقفون المشاكل بالمقلوب. إن من قرر إيقاف الميكرويات هو جاهل ويتعمد الضرر بالمواطنين بدمشق ولكن من ناحية أخرى، اسمح لي أن أشرح لك كيف:

لكل من وسيلتي النقل (الميكرويات الخاصة والباصات العامة) مساوئها ومحاسنها، سأبدأ بالباصات العامة:
محاسنها: واسعة، عالية، نظيفة، تلتزم بجدول سيرها الزمني فلا تتوقف لانتظار أن تمتلئ، لا تسبب أزمات مرورية.
لن نختلف على أن سعة الباص أمر هام وحيوي إن كان لتقليل الازدحام على المواقف أو لإمكانية اتساعها لعدد أكبر من الركاب. علوها يسمح للراكب أن يدخل ويخرج ويجلس ويقف بارتياح. نظيفة، فنادراً ما تجد بحافلة عامة روائح كريهة أو أوساخاً. ولأن سائقها موظف فهو ملتزم بالمسير وليس مضطراً للتوقف لانتظار أن يمتلئ الباص بركاب ليضع بجيبه ليرة زيادة. ولأنه موظف أيضاً فهو يخشى على وظيفته لأنه سيطرد إذا وصلت مخالفات مرورية برقم حافلته.

أما الميكرويات، فمحاسنها أنها كثيرة العدد، تؤمن الخطوط بتغطية 24/24. ومساوئها هي عكس محاسن الباصات.

نأتي الآن إلى ما أثار حفيظتك، وهو ما عبرت عنه بقولك: (يلعن دين رأس هذا المواطن شو إنذل ).
قرأت المقال عدة مرات لأعرف كيف تم إذلال المواطن فلم أجد، فهل لك أن تدلني على أسباب ذله فيما ورد في المقال أعلاه؟
إن كان بخصوص تعليق ذلك المسؤول الغبي حول رفع الرأس، فأنت على ما يببدو لم تعاني من ذلك الشعور بالذل وأنت تركب الميكروباص حانياً ليس رأسك فقط بل وظهرك دافعاً قفاك إلى حضن من هو خلفك، ولم تعاني من الشعور بالذل وأنت شبه جالس في مقعد أقرب للخازوق تنتظر أن يمن عليك السائق بالتحرك بينما هو يخرج رأسه من الشباك يحادث زميله بانتظار راكب واحد فقط قد لا يأتي خلال ربع ساعة بينما أنت تتصبب عرقاً أو ترتجف برداً أو محصوراً كفرخ السردين تكاد أن يغمى عليك من شدة عنف الروائح الكريهة في تلك العلبة الصغيرة المتحركة. وإن حرك سيارته يبدأ ذلك الفيلم المرعب الذي يجعلك تشد أعصابك إلى أن تنزل، فالسائق المتهور له هم واحد فقط: أن يصل إلى رأس خطه قبل السائقين الذين سبقوه وأن يجمع أكبر عدد من الركاب على الطريق.
أتمنى أنه لديك فكرة عن ذلك الذل!

أصل الآن إلى الذل الحقيقي الذي سيعانيه (بعض المواطنين) من جراء تحويل الخطوط إلى باصات عامة:
يبدأ عمل تلك الباصات من السادسة صباحاً وحتى العاشرة والنصف مساء فقط وذلك بورديتين يتناوب فيهما اثنان من السائقين. لكن دمشق مدينة لاتنام، كثير من المواطنين يعملون ليلاً، أو لا يجدون وقتاً للزيارات إلا في الليل. كثير من خطوط الميكرويات تعرف ذلك وتبقى عاملة حتى الصباح بثلاث ورديات من السائقين حيث يمكن للمواطن الذي ينتهي عمله في الثانية صباحاً أن يجد ميكروباص ليقله إلى منطقة سكنه. أما بعد إيقاف الميكرويات، فهذا المواطن مضطر لدفع أكثر من نصف أجرته اليومية لسائق التكسي الجشع الذي يتصيد هكذا طلبات تصيداً. هكذا سيشعر المواطن أنه ذليل بفضل المسؤولين في بلدية دمشق الذين لا هم لهم إلا إدخال واردات إضافية إلى بلدياتهم من خلال الاعتداء على سبل رزق سائقي الميكرويات والاعتداء على جيوب المواطن المسكين الذي يعمل أو يخرج ليلاً.

القرار خاطئ جداً، وهو يضر بالمواطن ويشعره بالذل فعلاً، ولكن ليس كما توقعت يا عزيزي.
عموماً، هذا تقليد متبع في كل عواصم العالم تقريباً. إن الحافلات العامة الكبيرة هي التي تتولى نقل الركاب ضمن العواصم، وليست لدي فكرة إن كانت تلك الحافلات تعمل بثلاث ورديات يومياً أو لا.

إذا ما تداركت بلدية العاصمة أمر الدوام الليلي وعينت ثلاث ورديات للباص، فإن المستفيد الأكبر في هذه الحالة هو الموطن، ويكون فعلاً قد تخلص من بعض الذل المفروض عليه، وتكون البلدية قد ساهمت فعلاً في رفع رأس المواطن عندما يركب في باصاتها.