{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 5 صوت - 4.2 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
العلمانية .. قضايا و آراء .
بهجت غير متصل
الحرية قدرنا.
*****

المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
مشاركة: #17
RE: العلمانية .. قضايا و آراء .
العلمانية ليست وراءنا
بقلم رجاء بن سلامة
نشرت في النهار البيروتية في 1/2/2008

..............................................
أولا تقتضي عبارة "الاتجاهات غير الدينية في الحياة العامة" توضيحا وتسمية للأشياء بأسمائها. الاتجاهات غير الدينية إذا ارتبطت بالحياة العامة وكانت سياسية فإنها ليست الاتجاهات المضادة للدين. توجد اتجاهات مضادة للدين، تعتبر الدين مصدر اغتراب للإنسان، ومصدر قصور وعجز عن قبول حقائق الفناء والمحدودية البشرية، ولكن هذه الاتجاهات لا يمكن أن تفرض نفسها على الحياة العامة إلا في ظل استبداد إلحادي شبيه بالاستبداد البلشفي أو غيره. وهذا النوع من الاستبداد ليس علمانيا خلافا لما يقال، بل هو إلحادي، لأن العلمانية هي مبدأ صمت عن الحياة الخاصة والمعتقدات الشخصية، ومبدأ حياد مؤسس للمشترك العمومي، وضروري لتحقيق الديموقراطية، من حيث أن جوهر الديموقراطية الحرية والمساواة لا التداول السلمي على السلطة فحسب.

الإلحاد ومناهضة الأديان تيار فكري موجود ويجب أن يُسمح له المجال بالوجود والتعبير عن نفسه. إنه موقف فكري نفسي فردي، ولا ينبغي أن يطرح باعتباره سياسيا، أي باعتباره يطول جوهر الرابط الاجتماعي، بما أن المؤمنين بالأديان يمثلون قطاعات عريضة من المجتمعات، وبما أن العلمانية هي المبدأ السياسي الذي يسمح لحاملي الأديان وللمناهضين للأديان، ولمن ليست لهم أديان، بالوجود معا، والخضوع إلى قواعد لعبة يختارونها أو من المفروض أنهم يختارونها، هي التي تضمن السياسي في مقابل العنف، وتضمن المساواة في مقابل اللامساواة المكرسة حاليا بين المسلم وغير المسلم وبين النساء والرجال نتيجة اعتماد مرجعيات لاهوتية.

العلمانية هي مبدأ الإقرار بأن تنظيم الدولة والتشريع ممكنان دون مرجعية دينية، لأن المرجعية الدينية تفرض معتقدا خاصا، وتفرق ولا تجمع مهما كانت متسامحة، ولا تفصل بين الحياة العامة والخاصة، ولا تفصل بين القانون والأخلاق، ولأن مجال السياسة وممارستها الخاضعة للنقد والمساءلة غير مجال الدين القائم على المعتقدات الثابتة والمطلقات، وهو مجال إلى ذلك لم يتخلص في الغالب من التطبيق السياسي لمبدأ خلافة الله في الأرض.

ليست العلمانية حليفة للاستبداد كما يشاع انطلاقا من مثال عربي جزئي جدا هو بعض الأنظمة البعثية في بداياتها. بل إن الاستبداد السياسي ليس علمانيا في جوهره بما أنه يفرض عقيدة ما أو إيديولوجيا ما على الجميع ولا يقبل بالتعدد ولا يقبل بمبدأ صمت الدولة وحيادها من الناحية العقائدية.

وتبعا لهذا يمكن أن نناقش صيغة السؤال : ماذا يبقى من دور للاتجاهات الدينية في الحياة العامة العربية". فصيغة السؤال المطروح قد يُفهم منها أن العلمانية كانت موجودة وتبين فشلها، أو أن التيارات العلمانية كانت موجودة وهي آيلة إلى الاضمحلال، بعد أن لعبت دورها كما ينبغي في الحياة العامة، وبعد أن لعبته بوضوح، وهذا مخالف للواقع.

هناك تفاوت بين مختلف البلدان العربية في مدى الأخذ بالنتائج العملية للعلمانية. هناك بلدان تم فيها تطوير التشريعات في اتجاه وضعي وخاصة في مجال الأحوال الشخصية، وهناك بلدان رفع فيها شعار علماني بديع هو "الوطن للجميع والدين لله". ولكن لا يوجد بلد عربي علماني بأتم معنى الكلمة من حيث تعريفه لنفسه ومن حيث منظومته القانونية والدستورية، ومن حيث تنظيمه السياسي، ومن حيث منظومته التعليمية. أما التيارات غير الدينية التي تلعب وظيفة المعارضة فيمكن أن نقول إنها لم تتعامل مع فكرة العلمانية بوضوح، ولم تبلور فكرا علمانيا انطلاقا من خصوصيات المنطقة التي لا تواجه فيها القوى غير الدينية سلطة كنسية بل تواجه في الغالب نصوصا دينية اعتبرت صالحة لكل زمان ومكان، وتم تشييئها ومنع كل علاقة تأويلية إبداعية بها.

في الأجواء الطالبية التي عشت فيها في الثمانينات، كان هناك صراع حاد بين التيارات اليسارية والإسلامية. كانت الأولى تتهم الثانية بالظلامية، والثانية تتهم الأولى بالتغريب وتجفيف المنابع. وكانت النقاشات تدور حول طبيعة المجتمع والصراع الطبقي، وحول الإمبريالية والعمالة لها أو حول حاكمية الله. لكن لا أتذكر أن حلقات النقاش تناولت مفهوم العلمانية أو اللائكية كما نسميها في بلداننا استنادا إلى النموذج الفرنسي. ولم تكن العلمانية أحد شعارات أحزاب المعارضة اليسارية، نتيجة للحسابات الانتخابية ومنطق التحالفات، رغم أن هذه الأحزاب علمانية في أسسها وبرامجها.

كانت العلمانية إلى زمن قريب كلمة منسية أو منبوذة. منسية لأن رواد النهضة الذين توفرت لديهم شجاعة فكرية للمطالبة بها لم يؤسسوا مدرسة وأتباعا، وهي منبوذة، لأنها غير مطروحة بوضوح في الممارسة السياسية للأحزاب والجمعيات. وإذا تصفحت الصحف اليومية البارزة في العالم العربي، وجدت انتقادا للعلمانية من قبل المحسوبين على التيارات غير الدينية أنفسهم، على أساس أن العلمانية حليف للاستبداد، أو قائمة على التعصب أو على التعالي أو غير ذلك.

مع ذلك يبدو لي، وقد أكون مخطئة أو متفائلة أكثر من اللزوم، أن العلمانية بدأت تظهر باعتبارها ضرورة ملحة وبدأ يتشكل وعي بها على الساحة العمومية، وما الكتابات المناهضة لها إلا رد فعل ممانع على ظهور هذا الوعي وظهور حاجة إليها في الواقع السياسي. فقد وفرت الإنترنت منذ بضع سنوات حاملا للتعبير عن الفكرة العلمانية في العالم العربي، من خلال الكثير من المواقع التي رفعت هذا الشعار. وللتذكير فإن الإنترنت ليست شبكة خيالية، مهما قلنا عن افتراضيتها. بل إنها فضاء مدني يجمع الناس ويخلق نوعا من حوار الأفكار ويوفر هامشا مهماً للأفكار الجديدة.

وهناك علامة فارقة أخرى على ما أقول، واسمحوا لي بالانطلاق من تجربة محلية مرة أخرى، فقد تأسست اخيراً في تونس "جمعية الدفاع عن الثقافة اللائكية"، وهذه الجمعية غير الحكومية هي أول مؤسسة من هذا القبيل تظهر في العالم العربي وهناك مؤشرات تدل على أن السلطات التونسية بصدد الاعتراف بها، وأرجو أن يتم ذلك.

ربما تكون هذه العلامات مؤشرا على بداية تشكل الوعي بضرورة اعتماد مبدأ ما علماني، قد تكون صيغته مختلفة عن الصيغ الأوروبية. فهناك ثلاثة مآزق نكبت بها المجتمعات العربية هي حصيلة عوامل عديدة من بينها عدم تفعيل العلمانية في الحياة العامة، أو عدم وضوح المبدأ في الممارسة السياسية لفاعلي المجتمع المدني وفي الإرادة السياسية:

1- ما أفرزه الإسلام السياسي من عنف مضاد للسياسي وصل إلى أوجه في الإرهاب، وفي محاولة تدمير الدولة ذاتها، وأذكر هنا بأن الإرهاب في أحد تعريفاته السياسية مختلف عن العنف لأنه لا يناهض الدولة فحسب، بل يريد أن يحل محلها.

2- صعوبة تجسيد قيم المواطنة في البلدان ذات التعدد الديني، ولا يوجد في الحقيقة بلد ليس فيه تعدد ديني، وهو تعدد يجب أن يشمل اللادينيين والملحدين، وطغيان المركزية الإسلامية التي تشوه مفهوم الغالبية وتجعله غالبية دينية لا سياسية. وقد أدى هذا إلى الطائفية التي تشوه الديموقراطية وتعطلها، أو إلى عدم الاعتراف بالأقليات الدينية على تفاوت بين مختلف البلدان في عدم الاعتراف هذا. ونتج عن هذا أيضا عدم الاعتراف بأديان مثل البهائية، والتعتيم على أقليات مثل اليهود العرب. ونتج عنه العنف المتمثل في إجبار الإنسان على أن تكون له ديانة مثبتة في بطاقة الهوية في بعض البلدان.

3- تخلف القوانين، وخاصة في مجال الأحوال الشخصية وبقاء التمييز ضد النساء، وتضخم الفتاوى بحيث أصبحت آلة شبه تشريعية موازية، والتعارض المكبل بين المرجعية الفقهية ومرجعية حقوق الإنسان والمواثيق الدولية.

وتشكل الوعي بالعلمانية ليس بمعزل عن الحراك السياسي الحالي الذي تتفاعل فيه الحركات الدينية والحركات غير الدينية على نحو لا يقتصر على الصراع. فحركات الإسلام السياسي رغم ما في الأمر من مفارقة آخذة في التعلمن هي الأخرى على وعي منها أو غير وعي، أو هي مجبرة على تقديم أجوبة للأسئلة المطروحة عليها من قبل تيارات ذات مرجعيات علمانية. الحركات المناهضة للعلمانية تؤرقها العلمانية وتسكنها من حيث لا تريد، لأنها تميل إلى الأخذ بالنموذج الديموقراطي، والنموذج الديموقراطي لا يمكن أن يشتغل بدون مبدأ علماني ما، يضمن على الأقل شيئا من حرية المعتقد ومن المساواة. وما المراجعات المتلاحقة التي تقوم بها بعض الحركات الجهادية اليوم حتى تتخلص من النزعة الإرهابية، وما بروز حزب العدالة والتنمية التركي باعتباره نموذجا للأحزاب التي قبلت قسطا لا بأس به من العلمنة، وقبلت دخول اللعبة الديموقراطية على هذا الأساس إلا مؤشر آخر على ما ذكرت.

العلمانية إذن ليست وراءنا، بل هي أمامنا، تتراءى لنا في أفق نصبو إليه وتدفعنا إليه ضرورة الخروج من المآزق السياسية ومن الحضيض الديني والثقافي الذي انحدرنا إليه.

12-15-2009, 06:39 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 11-25-2009, 01:45 AM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 11-25-2009, 07:11 PM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 11-26-2009, 02:37 AM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 11-26-2009, 10:55 PM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة special - 11-27-2009, 06:57 PM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 11-28-2009, 08:40 PM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 11-28-2009, 02:15 AM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 11-28-2009, 06:18 AM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 11-30-2009, 09:56 PM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 12-02-2009, 04:37 AM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 12-04-2009, 08:13 PM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 12-07-2009, 01:36 AM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 12-09-2009, 12:52 PM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 12-11-2009, 04:09 AM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 12-12-2009, 12:29 PM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 12-13-2009, 08:33 PM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 12-15-2009, 06:39 PM
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 12-16-2009, 09:29 PM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 12-19-2009, 12:35 PM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 12-20-2009, 11:20 AM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 12-23-2009, 01:44 AM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 12-24-2009, 01:46 AM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 12-25-2009, 01:58 AM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 12-26-2009, 03:06 PM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 12-28-2009, 11:29 AM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 12-30-2009, 11:53 PM,
RE: العلمانية .. قضايا و آراء . - بواسطة بهجت - 01-01-2010, 08:24 PM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  آراء في أشهر الآراء : دان دينيت .. الــورّاق 2 1,290 02-18-2012, 07:48 AM
آخر رد: حــورس
  آراء في اشهر الآراء : عبدالله القصيمي .. الــورّاق 22 5,957 11-22-2011, 12:48 PM
آخر رد: الــورّاق
  آراء في اشهر الآراء : فريدريك نيتشه .. الــورّاق 22 10,504 11-09-2011, 09:11 AM
آخر رد: الــورّاق
  العلمانية والدين .. والمأزق العربي Reef Diab 25 6,456 09-21-2011, 10:15 PM
آخر رد: أبو نواس
  العلمانية القوية و العلمانية الضعيفة Brave Mind 8 2,887 07-03-2011, 05:12 PM
آخر رد: Brave Mind

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS