كانت أمريكا سيدة العنصرية في القرن 20، وما زالت مظاهر تلك العنصرية بادية حتى اليوم. فأين الغرابة أن تنتقل العدوى لمهاجرين من أصول تعتبر ال USA أفضل من كثير من الدول؟ ومن الناحية الأخلاقية، لا ينقص سوى أن يستعمل البلوماسيون ألفاظ الشارع الأميركي البذيئة العادية، هي عادية لأنها صارت علامة ثقافية مميزة للمجتمع الأمريكي تظهر ليس في الشارع وحسب وإنما في كل الفعاليات الثقافية الأمريكية من سينما وتلفزيون ومسرح. ظاهرتان قل أن تجدهما في غير أمريكا: البذاءة والعنصرية.

وعندما يجد بعض أصحاب مركب النقص أنفسهم في مجتمع كهذا، يجدون في ممارسة ذلك متعة، خصوصاً إن كانوا محرومين منها في مجتمعاتهم الأصلية. صديقنا هنا مثلاً لو قيض له أحد البرامج التلفزيوينية المصرية -أيام وجوده ببلده- فلن يجرؤ على استعمال ألفاظه التي يستعملها هنا. أما الآن، فلا حرج أو رادع أخلاقياً لديه في أن يصف دولة كاملة وشعباً عن بكرة أبيه أنه غارق في (الخرا) بحسب تعبيره اللطيف. ولكن (لو) قيل له أنه يأكل (خرا) فهذه شتيمة مخالفة لقوانين النادي، أما القول أن الشخصية الجزائرية بتعميم بشع هي شخصية قاعدة في صحيفة زبالة فهو حرية تعبير أمريكية عبر الانترنت العربية أي بين شعوب لا تفهم الرقي والتطور الأمريكيين.

أن تصل العنصرية لهذه الدرجة من القسوة فهذا مؤشر أكيد على أن منتهجها يتباكى على الإنسانية بينما فاقد الشيء لا يعطيه ولا يشعر به. من يقرأ ما كتبه الزميل هنا سيعتقد أن مجتمعه الأصلي يعيش في صحيفة من الذهب، وأن المجتمع الذي هاجر منه غارق في النعيم، وأن الجزائر وشعبها وحدهما دولة بنت دين كلب وشعب غار في (الخرا) بحسب تعبيره الأمريكي النظيف. ولم يجد زميلنا مثالاً يستنجد به سوى ذلك الأشعث الأشقر البهيم، متناسياً خطبته الطويلة (أمس) عن الفروق بين مصر الخمسينات (عبد الناصر) ومصر السبعينات (السادات) بعد ديباجة طويلة عريضة من شرح الظروف المختلفة بين فترتين بينما هو يتغافل عن الظروف المختلفة بين سيدته أمريكا وبين مسقط رأسه أو ما يجاوره. لكن التعصب يبدو ليس حصراً على قلة الثقافة، بل تظهر آثاره بوقاحة عند أي (نكشة) لأي مدع للحضارة.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن للدول المتحضرة أن تؤثر حضارياً في عقلية المهاجرين إليها؟ أم أن المثل الذي يتحدث عن القالب والسنين الأربعين هو كتاب منزل؟