الداعية ..
تحياتي و تقديري .
أصدر جورج طرابيشي كتابا يتناول هذه القضية تحديدا هو كتاب ( ازدواجية العقل دراسة تحليلية نفسية لكتابات حسن حنفي ) ، و يتحدث فيه عن إزدواجية العقل العربي ، وطبقا لتعبيرات جورج طرابيشي : " أن الوارث الأكبر لهذه الازدواجية هو د. حسن حنفي الذي أراد أن يجمع في شخصه بين الفيلسوف والفقيه، وفي فكره بين الانتصار للحداثة والانتصار للقدامة، بين طلب التماهي مع الغرب وطلب فك الارتباط مع الغرب، بين نقد التراث إلى حد الهدم والدفاع عن التراث إلى حد الأَمْثَلة " .
و يذكر أيضا أن " هذه القدرة على قول الشيء وعكسه، في آن معاً ومن جهة واحدة، هي التي تعطي فكر حسن حنفي نكهته الخاصة كفكر فصامي منسوج لحمة وسدى بالتناقض، ومزدوج بين إستراتيجيتين: نقد لامتناهي الجرأة للذات ولموروثها وصولا إلى انتهاك المقدسات، ومنافحة تعظيمية عن الذات وموروثها قد تأخذ حتى شكل الهُذاء." .
وفي الكتاب يتحدث الطرابيشي عن لقائه بالدكتور حسن حنفي في تونس العام 1986 ، و أنه ( د. حسن ) علم أن الطرابشي يعد أطروحة جامعية عنه فقال له : " أيها الأخ جورج، أترى هذا الذي يكلمك؟ إنه ليس حسن، بل حسنان. فهناك حسن حنفي الفيلسوف، وهناك حسن حنفي النبي. وما دمت قد عقدت العزم على الكتابة عن حسن حنفي، فرجائي عندك أن تدع حسن حنفي النبي جانباً، وأن تكتب فقط عن حسن حنفي الفيلسوف." ، المشكلة أن هذا الجمع يتم في مئات ومئات المواقف ، على حساب مبدأ المبادئ في المنطق: مبدأ عدم التناقض.
ظاهرة الإزدواجية تلك ليست مقصورة على د. حسن حنفي ،و لكنه شائعة بين المفكرين المصريين للغاية ، و لكنها ليست بوضوح حالة د. حسن حنفي ، فالعادة أن يبدلأ المفكر تنويريا ثم يتحول إلى الأصولية أو التراث بعد ذلك ، وهي حالة أطلق عليها ( الإرتكاس ) المصري ، هذا حدث للعديدين ، حتى أن ثبات المفكر على مواقفه التنويرية يصبح استثناء ، و لهذا أقدر مفكرين مثل فرج فوده و نوال السعداوي كونهما ( غير مرتكسين !) ، أما من بدل فهناك قائمة طويلة تشمل أسماء بوزن عباس محمود العقاد و خالد محمد خالد و سيد قطب الذي تحول إلى النقيض تماما ، فأصبح عرابا للفكر الإرهابي المتطرف ، بل حتى طه حسين كانت له أيضآ إسلامياته !، و لكن هؤلاء جميعا بدأوا رحلة الإياب ، بعد أن انهوا مرحلة الذهاب كلها ، أما حسن حنفي فهو يجمع بين الرحلتين في نفس الوقت ، خطوة للإمام .. خطوة للخلف .
نقطة هامة أثارها الأخ إبراهيم في مداخلته أحب التعليق عليها ، هي الحكم على العقائد الدينية للمفكرين ، هذا الإتجاه لا أحبذه و أراه غير منهجي ، فنحن لا نشق عن قلوب الناس ، و لا يجب أن يعنينا ذلك ، هذا خارج النقد العلمي ، إن النص كما تعلمنا من نقاد البنيوية ينفصل عن صاحبه بعد إطلاقه ،فالنص لا ينظر إليه إلا في ذاته مفصولا عن أي شيء يوجد خارجه. وimmanence( المحايثة) بهذا المعنى هي عزل النص والتخلص من كل السياقات المحيطة به. فالمعنى ينتجه نص مستقل بذاته ويمتلك دلالاته في انفصال عن أي شيء آخر.
تحول كاتب من موقف الحداثة إلى السلفية ، ليس دليلآ على تحول الإنسان من الإلحاد إلى الإيمان ،و لكن هذا يحدث في الغالب الأعم لأسباب مادية أو أمنية أو وظيفية و إجتماعية ، و ليس لأسباب عقيدية كما يذهب الأخ إبراهيم في رؤيته لكل الظواهر الثقافية حولنا ، إن إقحام المعتقدات الدينية في الحكم على المواقف الفكرية و المنهجية خطأ بين .
أما على المستوى الشخصي فأشعر بألفة كبير في كتابات المفكرين العلمانيين السوريين خاصة أمثال صادق جلال العظم ووائل السواح و جورج طرابيشي ،و أرى أننا ننهل من معين واحد .