Believe those who are seeking the truth; doubt those who find it. Andre Gide:
" ثق في الذين يبحثون عن الحقيقة ،و لكن تشكك في الذين يجدونها "اندريه جيد .

عزيزي 4025..
كي أجاوبك يا صديقي في مثل هذه القضايا يجب أن أعرف ما تعتقد و ليس فقط مالا تعتقد أو لا توافق ، فمن تجربتي أؤكد لك أنه لابد من وجود إطار كي يمكن أن يكون الحوار مجديا ، ليس ضروريا أن يكون الطرف الآخر لا دينيا أو ينتمي للفكر المادي ،و لكن لابد أن ينتمي لقيم هذا العصر و هذه الحضارة ، لهذا لن يمكن التفاهم مع الإسلامي مهما حسنت النوايا ، هذه مجرد مقدمة كي أكون واضحا لا أكثر .
لم أكن أنشر هذا الحوار لولا أني أجد في أفكار ريتشارد داوكنز تشابها يكاد يكون تاما مع ما أطرحه من أفكار ، وهذا ما اكتشفه صديق لي كان يحدثني عن داوكنز ،و عندما أخبرته أني لم أقرأ له من قبل ، أبدى تعجبه لأنه وجد تماثلآ بيننا حتى أنه اعتقد أني أتابعه منذ فترة طويلة ،و عندما قرأت لداوكنز هذا الحوار في الأوان و بحثت عن اللقاء في مصدره ، كما تصفحت موقع داوكنز كانت دهشتي تعادل دهشة صديقي ، فنحن كلانا نقف في نفس المكان بين العلوم و الفلسفات ، بين الرؤية الشخصية و الثقافة العلمانية المادية ، في نفس المكان من الشعر و الفنون و العلم ، نفس المنظور للحياة و الكون ،و أحيانا نفس العبارات ، يبقى أن هناك حتى تشابه شخصي ، فكلانا بدأ اكتشاف الكون من العلم فتفلسفت رؤيته للحياة ، أشارك داوكنز أيضا رؤيته الشاعرية و شغفه الصوفي بالعلم و إنجازاته.
لماذا لا تقتنع بإجابته ؟، هل لأنها غير مقنعة لك و تتناقض مع معتقداتك ، أم لأنها غير مقنعة عموما ، كأن تكون متناقضة ذاتيا paradoxical ، إجاباته كما أراها متسقة داخليا self-consistent ، و لكنها ستتعارض بالطبع مع معتقدات كل المؤمنين ، ليس مع معتقداتهم فقط بل مع مشاعرهم أيضا ، هناك مشاعر سائدة بين من يكتشف زيف النظرة الدينية ، هي مشاعر الإحباط و الخوف و التشاؤم ، خاصة لمن عاش طويلا في مناخ ديني تسوده الميثولوجيا ، كما هو الحال بالنسبة للعرب و المصريين خاصة ، و لكن هذا ليس هو الحال دائما ، هذا الموضوع كان مجالا للحوار بيينا هنا في النادي ، فقد تحدث كثير من الأصدقاء عن مدى اكتائبهم لسقوط الوهم الديني ،و لكني على النقيض تحدثت عن تجربة مناقضة ، مازلت اتذكر يوما في شهر يناير ، كنت في السابعة عشر من عمري ، وقد داهمني شعور ابتلعني تماما ، بينما كنت أقف على مدخل قسم الهندسة الكيميائية بجامعة القاهرة ، حيث كنت أدرس وقتها ، هذا الشعور بالنيرفانا يشبه الشعور الذي داهم بوذا ( سيد هارتا ) وهو تحت الشجرة ، شعرت أن هناك ستارا كثيفا ينزاح أمام عقلي ، و تلاشت إشكالية الوجود كلية و لم تعد تؤرقني أبدا ، الحقيقة واضحة .. نهائية الحياة ، أكذوبة الدين ، سخافة الميتافيزيقا و شخوصها المضحكة ، ملائكة و شياطين و آلهة و جنة و نار ... .
الأهم أنه لم ينتابني أي شعور بالحزن بل بالتحرر ، وهذه شهادة صادقة ، فلم أعتقد يوما أنني أكثر شجاعة من غيري ،لهذا أفهم شعور ريتشارد داوكنز جيدا ، لم أفكر كثيرا لماذا تختلف ردود فعلنا تجاه سقوط وهم الدين ، الكثيرون يبتأسون و يبحثون عن إيمان جديد ، و معظم المصريين يعودون إلى الوهم المخدر ، فمع ضغوط الحياة من الصعب ألا يتعاطى المصري أفيون الدين ، و حتى القلة التي امتلكت الشجاعة و الإستقامة بحيث رفضت أن تخون عقلها ، تسقط عادة في بئر التشاؤم و اليأس ،و لكن هناك آخرون – من غير المسلمين أساسا – يشعرون بالنشوة من معرفة الحقيقة و التعايش معها .
ما هو السبب ؟، هل هناك حقا جينات دينية نتوارثها ، قرأت شيئا مشابها من سنوات قليلة ، و بالتالي أعتقد أنه لدينا القليل جدا من تلك الجينات التي تجعل من قضية الدين قضية ثانوية او نوعا من الكوميديا .
القضية الثانية .. هي أيضا ليست متناقضة ، و لكنها قضية فلسففية إلى حدما .
من البداية يجب أن نعلم أن عالم بدون إله يختلف عن عالم تحكمه الآلهة ، يختلف في كل شيء ، هو عالم له حكمته و رؤيته و أفكاره المختلفة ، عالم قائم على الحقائق العلمية وحدها ، هذه الصوفية العلمية ليست متاحة للجميع ،و ليس بنفس القدر ، كان أرسطو يرى أن العلم لا يجب أن يكون متاحا للجميع ، شيء مشابه لذلك نراه ، ليست الحقيقة تلائم الجميع ، كان بنيامين فرانكلين لا دينيا ،و كان يرسل لأخته رسائلآ نشرت بعد ذلك ، كان يطالبها في رسائله بأن تطيع الرب ، لم يكن بنيامين فرانكلين متناقضا ،و لكنه كان رجلآ حكيما إلى الدرجة التي تجعله يعرف أن هناك حقيقة تلائم بنيامين فرانكلين العالم و المفكر و السياسي القدير ،و هناك حقيقة أخرى تلائم أخته المزارعة البسيطة . منذ أكثر من 40 سنة لا أحمل أي إيمان ديني ،و لكنه من النادر للغاية أن أكون قد ناقشت أفكاري الدينية مع أحد ، إني أتوازن و أجد السعادة بعيدا عن الأوهام الدينية ،و لكني أعلم أني سأظلم من أدفعه لهذا العالم الحر ، بينما لا يستطيع العيش أو يجد السعادة سوى بين القطيع ، إني أفضل أن أهب السعادة المؤكدة للاخرين ، أكثر من أهبهم الحكمة و المعرفة التي قد تبأسهم .
منذ سنوات قريبة نشر خبر العثور على قبر المسيح ، و قد أثار الخبر عاصفة سرعان ما خبت ،و كنت طرفا في حوار حول هذه القضية ، و كنت أرى ألا ينشر شيء عن الحقيقة ، و ضربت مثلآ قريبا جدا من السؤال الذي طرح على ريتشارد داوكنز ، كنت مشفقا على المرأة الإفريقية البائسة التي دمرها الإيدز ، إنها تحلم الرب يسوع الذي تنتظر أن تلقاه بعد هذا العذاب ، و أن تسجد بين يديه ، فيمسح على رأسها و يهبها السعادة و الفرحة ، فمن يملك القلب الذي يسمح له بمواجهتها بالحقيقة ، و ان الرب يسوع يعتذر إليها ، لأنه مازال مقيما في قبر بسيط في فلسطين !.
إننا لسنا متناقضين .. داوكنز ليس متناقضا ، ربما يسخر قليلآ في حديثه عن الإرهابي المتفجر ،و لكننا لسنا في عجلة من أمرنا للنشر الحقيقة على من تؤلمهم تلك الحقيقة .