(01-24-2010, 08:47 PM)مجدي نصر كتب:  ..............
وسؤالي : أليس معنى هذا أن الفقراء بعيدون بالضرورة وفي الغالب عن الإلحاد؟؟

...............................

سؤال آخر أستاذي الكريم، وأرجو ألا أثقل عليك

لماذا لا تثق في المصري كمفكر مادي؟؟

هل لدى المصريين من واقع تراثهم أو واقعهم ما يدفعهم بالضرورة إلى المثالية للدرجة التي لا يتواجد فيها مفكر مادي واحد بينهم؟؟

بصورة أدق، ما الذي يخص المصريين بحيث يؤدي بهم إلى هذه النتيجة؟؟

وما هى تجاربك أو الأسباب التي دفعتك لهذا الاعتقاد؟؟

---

تحياتي أستاذنا الكريم

يا صديقي ..
ربما لو كنت سوريا أو لبنانيا لشكوت أيضا من المثقفين السوريين و اللبنانيين ، كل ما لدي مجرد انطباع ، و لكنه انطباع قوي و محسوس . الثقافة العامة غائبة بين العرب حتى بين القطاعات المتعلمة ، فمعدل قراءة الكتب في الحضيض عالميا ، وهناك حالة ارتدادية إلى التراث بلا معقوليته و مفارقته للعصر ، و لكن المحنة في مصر مضاعفة أضعافا . بداية لم يكن لدي أي أوهام حول سطحية الثقافة في مصر ، وجود رموز ثقافية مصرية في بداية عصر النهضة ، صنع وهما بريادة ثقافية بلا أساس حقيقي ، منذ دراستي الجامعية و حتى اليوم خالطت تجمعات عربية عديدة من كل لون ، و لهذا لم يكن عسيرا علي أن ألمس أن العقلية المصرية بتكوينها تنفر من القضايا الثقافية ، خاصة الثقافة العلمانية و الليبرالية ، ربما تجد البعض ممن ينتمون لأفكار ذات طبيعة عقائدية جامدة ، مثل الماركسية و القومية الشوفينية و الإسلامية ، وهي في النهاية ثقافات نصية شمولية أشبه بالأديان ، هم أيضا يتعاملون معها بنفس جمودية و قداسة الأديان و مرجعايتها الدوجمائية ، حتى أولئك الماركسيون و القوميون سرعان ما ينتكسون عند أول منعطف ليروا الحلم إياه ،و يذهبون لصلاة الفجر و يبكون تائبين عن ذنب لا يغتفر هو حرية التفكير .
تابعت منذ فترة بعض المفكرين الغربيين ، منهم ريتشارد داوكنز (صاحب هذا الحوار) و بول كيرتز وهو شخصية علمانية هامة ، فهو المؤسس و الرئيس الفخري لمجلس الهيومانية العلمانية Council for Secular Humanism ، و كثيرين غيرهم ينددون بعودة المقدس للحياة العامة ، و يجأرون بالشكوى من أصولية أمريكا ، و يعلم الإله الفيزيائي أني ضحكت أحيانا من مظاهر تلك الأصولية التي يشكون منها ، بعض الصلوات – كل وفقا لعقيدته- لمدة دقائق في بداية العمل ، في البيت الأبيض !، و أشياء من هذا القبيل ، فماذا تقول عن مظاهر الهوس الديني في مصر ؟.
بالقطع مصر هي أوضح ضحايا الإعصار الوهابي المغبر ، بحيث من الصعب تصور مجتمعا أكثر إظلاما و أصولية بما في ذلك السعودية نفسها . في استطلاع أخير للرأي هناك 100 % من الشعب المصري متدين !، كلهم متدينون – ما شاء الله - بما في ذلك الملحدون !، يا صديقي .. هناك زميل مصري يبشر بنظرية التطور البيولوجي ،و هذا رائع جدا ،و لكنه يؤمن في نفس الوقت بأن الله خلق العالم في ستة أيام ،و أننا قاصرين عقليا عندما نسخر من ذلك ، لأن اليوم عند الله ب 1000 عام مما نعد ، أي أن الله خلق العالم في زمن طويل هو 6000 سنة !، و عمر الكون الان 6000 سنة أخرى أي أن الله خلق العالم منذ 12000 سنة ، رغم أن الهومو سابينس عمره حسب نظرية التطور التي يؤمن بها أيضا 200000 سنة أي أن الله خلق الكون بعد ظهور الإنسان ب 188000 سنة !.زميل مصري آخر جاء خصيصا ليبشرني أنه أصبح علمانيا ،و أنه يواجه كل زملائه بهذا ، في ذلك الوقت كنت أطرح سؤالآ عن مدى قبول تطبيق الشريعة الإسلامية ، فوجدته يوافق على تطبيقها فورآ ، بينما زميلنا المسلم الإخواني السوري يوافق على تطبيقها و لكن بعد تطويرها لتلائم العصر !، هذه هي الحقيقة إذا .. المصري العلماني أكثر أصولية من السوري الإخواني ، تلك عبارة تبدوا هزلية أو دعابة و لكن ثق أنها تحتوي قدرا كبيرا من الحقيقة .
هكذا يتحول الفكر المادي عندما يدخل إلى عقولنا إلى مهلبية ، نحن نريد أن ندخل جنة ( المغفل ) مع سبق الإصرار و الترصد ،و حتى عندما يفتح الله بحتة معلومة ، نقصها على قدر سرير عقولنا المايكرو ، فتتحول أعظم الأفكار إلى نوع من المسوخ .
يا صديقي .. أنت تسألني عن خبرتي مع الفكر المصري المادي ، كأنك تسألني عن النكت التي أعرفها ،أو عن المآسي التي سمعت بها ، هناك مئات الأمثلة بلا مبالغة يمكنني أن أذكرها ، حتى أني من قرفي طرحت شريطا عن غيبوبة المثقفين الجدد ، طبعا هم ليسوا مثقفين و ليسوا جددا . يرتبط الفكر المادي في مصر بالماركسية تحديدا ،و لكن ماركسيتنا ماركسية إسلامية موحدة بالله ، حتى أن الحاج الماركسي خالد محي الدين منضم إلى جماعة صوفية ، كل من عرفتهم من ماركسيين أصبحوا فجأة إسلاميين منذ السبعينات ، أي لم يصمدوا سوى ربما عشر سنوات ، كانت كافية أن يكفروا عنها إلى اليوم !.
هل تعتقد أن المسيحي المصري أكثر تحررا ؟، أنت لا تعرف المصريين إذا ، لم يعد هناك مسيحي ملحد إلا ربما من نعرف في نادي الفكر !، لهذا أشفق على تجربة المصريين الملحدين ، بل أشفق عليهم أنفسهم و اتسائل متى سيرون محمد في الحلم الشهير ،و متى سينادي المسيح البعض منهم قائلآ أنه يحبه !.
أما عن الطبقات الأدنى إقتصاديا ، فلا يطالبهم عاقل سوى بعدم التورط في جرائم طائفية ، غير ذلك مستحيل تماما ، فتساوي الناس في حقوقهم ، لا يعني تساوي أفكارهم في الأهمية .