اقتباس:ثم قد يقول غيره، الأولى عالمانية القوانين، هروبا من الخلاف بين الأديان والمذاهب، لهذا نقول ألا قد أخطأت الخطأ البين، حين أردت عمرا وأراد الله خارجة، أولا ترى عزيزي المناظر أنك قد زدت الأديان والمذاهب دينا ومذهبا؟ وحين رفض السني الاحتكام للشيعي وبالعكس، فلم سيقبلان كلاهما أن يحتكما للعالماني، وهو في أحسن أحواله عندهما ضال لغة واصطلاحا، إلا ما ندر.. أم أننا نريد أن ننزل العالمانية منازل الناس قهرا وقسرا واستبدادا كما قد صنع أشياعها منذ أن غزانا الغرب عام 1918 وحتى يومنا هذا.

يعني في هذه الحالة نفتش عن قاسم مشترك يربط بين الناس جميعاً، على مختلف مذاهبهم وأجناسهم وأعراقهم، ونرضى بحكمه. ولعل "العقل" هو القاسم المشترك الوحيد بين بني البشر. لذلك، فالأوجب أن تبلور القوانين على محك "العقل"، ويتم تدريجياً التغلب على الصعوبات عبر المفاوضات والأخذ والرد. وبالمناسبة، لعل ثلاثة ارباع القوانين إن لم يكن أكثر هي نفسها عند السني والشيعي والمسيحي والملحد والهندي والبرتغالي والأرجنتيني و"البطيخ الأصفر".

بالنسبة لقصة "القهر والاستبداد"، فمنذ سنة 1918 وليس هناك أي قوى مؤثرة في العالم العربي الإسلامي تحاول فرض "العلمانية" (حتى ولا في تونس المثال الشاذ الذي يؤكد القاعدة ولا ينفيها) بل بالعكس؛ فرغم فشل "دولة الخلافة" واستبدادها الطويل، وتجريعها الناس كاسات المهانة والذل والاضطهاد والتخلف مئات السنين، إلا اننا نجد "دولنا المسخ"، في العالم العربي على وجه الخصوص، ما زالت متمسكة بهذا التراث المفلس وتحاول المزايدة على الحركات الإسلاموية فيه. فالواقع يقول بأن الدول العربية حتى اليوم، ولله الحمد، لا تزال متشبثة بالكتب الصفراء ومشايخ التكفير، ونصفها إن لم يكن ثلاثة أرباعها يحتكم إلى "الشريعة" في قوانينه كلها، أو يعتبر الشريعة مصدراً رئيسياً للتشريع،هذا بما تتضمنه هذه "الشريعة الغراء" من قهر وذل واستعباد للمسلم وغير المسلم في آن.

"انا اللي مجنني" قصة التحدث عن "أنظمة علمانية" هي غير موجودة أصلاً في عالمنا، وليس هناك "دستور" واحد في عالمنا العربي من الممكن وصفه بالعلماني حقاً، اما عن جملة القوانين فحدث ولا حرج!!. طبعاً هنا، لن نتحدث عن السعودية ودستورها "القرآني الفريد" ولكن حتى في "سوريا" لم تستطع الدولة أن تنفض عنها أحكام الدين البالية، وما زلت في مصر تسمع التكبير في التليفيزيون الرسمي خمس مرات في اليوم ومزايدة عشرات المرات في النهار على شيوخ التكفير أنفسهم في بضاعتهم، هذا عدا الإعلام الذي يتبنى ويمجد منذ مطلع الشمس حتى مغربها جميع قصص وخزعبلات المتدينين. ومع هذا فعند الإسلامويون هذه الأنظمة "نصف الدينية" هي "أنظمة علمانية" .. والله شي بيحط العقل بالكف!!

ههاهاه، في مصر، وفي "إذاعة القاهرة - البرنامج العام"، هناك برنامج مشهور يذاع منذ نيف وثلاثين سنة اسمه "قال الفيلسوف" (حوالي الساعة الثانية صباحاً من كل يوم). الطريف ان "فيلسوف" هذا البرنامج ليس له علاقة بالفلسفة ولا بالعقل حتى ولو من بعيد. فالفيلسوف فيه "فقيه متدروش" لا ينطق بكلمة حتى يشفعها بما تيسر من الآيات البينات وأساطير الأولين. ولعل "دولنا العربية العلمانية" بالنسبة للدول العلمانية المتقدمة (أوروبا الغربية على سبيل المثال) تشبه "فيلسوف" "قال الفيلسوف" بالنسبة إلى فيلسوف حقيقي.

واسلموا لي
العلماني