عزيزي سهيل، أنا لا أدعو أحدا اليوم لتطبيق الإسلام، بل أنقض الرأي القائل أن الإسلام مطبق في دنيا اليوم، وأنه متمثل في دول كذا ومذا... وما يستتبعه من تحميل الإسلام مسؤوليات لا علاقة له بها، بل لا علاقة لها به...
بل وأضن بالإسلام وسموه أن ينزل لمنافسة العالمانية وأضرابها، بل وأزيدك من الشعر بيتا، شخصيا أدعو العالمانييين أن يقدموا ما لديهم فعلا حتى نجربهم، فطالما وعدونا بالحلق حتى كثرت ثقوب آذاننا... على علمي بما سيؤول إليه الحال يقينا لو أنني فرضت خيالا أنهم وصلوا لما يريدون، هذا وأني أعلم أنهم لن يصلوا بتاتا، ليس وهم على ما هم عليه اليوم، لا لعيب ولا زين في العالمانية، بل لأنهم جزء من الأمة مبتلون بأمراضها، والاستبداد بالرأي وهوى التقليد للمنتصر يشيعان في الأمم المهزومة... لكن ليس من بأس أن يجربوا فيفشلوا فييأسوا فيفسحوا الطريق لغيرهم طوعا لمسؤولية تعتريهم أو كرها تبعا لنواميس التغير التاريخي كدأب الاشتراكيين قبلهم.

أنا إذ أجلس منتظرا دوري، لن أطرح ما لدي يا سهيل، ولن أدعه ينزل لمقارعة غيره الآن، لكنني سأنظر فيم تطرحون، وأعترض على ما أراه خطأ أو غير منطقي، أو تجن على غيركم، كدأب من أراد النجاح والفوز بشتم غيره، يتخذ الإسلام الغائب والخلافة المغيبة مشجبا يعلق عليه فشله الذريع وإخفاقه المريع في تأليف الناس حوله وحملهم على النهضة التي يظن صحتها.

أما عن قولك في من يعيش في ظل الغرب، فأنا أعيش في ظل الغرب، ولا أرى إلا التمييز والاحتقار للغريب، على أن أسوء ما في الغرب أفضل من أفضل ما عندنا، ليس لفضل العالمانية على الإسلام، بل لفضل النهضة على الانحطاط، ذلك أن ما في الغرب بغض النظر عن مبدئه نهضة، وما عندنا بغض النظر عن دين ومبدأ انحطاط، نسير وفق ردود فعل لفعل غير أو غرائز تثور هنا وهناك، كل على حدة، لا نعبؤ بإسلام ولا بغيره.

أما عن الأمر الذي دعوتنا إليه، فيا عزيزي، لا يقال هنا كيف ولماذا يفترض خالد، نحن في منتدى في فكري، ولسنا على أرض الواقع، ولا بأس أن نناقش كل صغيرة وكبيرة، ومنها أصل الأصول في التحسين والتقبيح ومصدريتهما، وهل يصلح العقل المجرد للتحسين والتقبيح؟ وما هو العقل المجرد أصلا؟ ومن من الناس يملك هذا العقل؟ حتى يكون له أن يضع لنا ولغيرنا ما هو صواب وما هو خطأ، حتى نطيعه دون قسر أو إكراه أو عصا شرطي. ومن الطبيعي أن نخوض الجدال في هذا الأمر إلى الغاية القصوى، سيما وأننا أصوليا مختلفان تماما فتبع الخلاف في الفروع. وليس من مندوحة من إثارة الخلاف الأصولي في كل فرع اختلفنا فيه، بل ولو اتفقنا. لحكم الأصل على نظرتنا للكون والإنسان والحياة وما قبل الحياة وما بعدها وعلاقتها بما قبلها وما بعدها جميعا.. وموقفنا منها.

أرجو أن لا أكون عسرت يسيرا، أو عقدت بسيطا..