" أنه عندما يعاني إنسان من أفكار تسلطية يصبح مريضا ،و لكن عندما تعاني مجموعة كبيرة من الناس من تلك الأفكار تصبح دينا ". روبرت بيرسج Robert Pirsig .

وهم الإله .

مقدمة .
صدر الكتاب عام 2006 ليكون أفضل الكتب غير الروائية مبيعا .
كان داوكنز يتوق طويلآ للكتابة بشكل مفتوح ضد فكرة وجود الإله ، و لكن ناشروه عارضوا الفكرة ، وظل هذا الموقف قائما حتى العام 2006 ، فبعد 4 أعوام من حكم جورج بوش ، شعر داوكنز و ناشروه أن الصمت لم يعد مقبولآ . في أعماله السابقة التي تدور حول نظرية التطور عارض داوكنز دائما كل التفسيرات التي قدمها الخلقيون creationists من مؤيدي نظرية التصميم الذكي intelligent design ،وهي النظرية التي ترى أن الإله خلق العالم بالصورة التي عليه وفقا لتصميم سابق . على سبيل المثال يدور كتاب داوكنز الشهير صانع الساعات الأعمى (The Blind Watchmaker) الذي نشره العام 1986 ، حول قدرة نظرية التطور على تفسير التصميم الظاهر في الطبيعة ،وهو التصميم الذي دفع الإنسان البسيط إلى تصور وجود خالق ، كي يفسر الروعة و الإعجاز في بناء الكون ، اما في كتابه (وهم الإله) يركز داوكنز مباشرة على مجموعة من النقاشات التي تؤكد و تعارض الإعتقاد بوجود إله قدير للكون .
هدف داوكنز من الكتاب كما يوضح في عبارة بسيطة ، هو أن الإنسان المؤمن سيتحول إلى ملحد بعد قرائته ، هذا بالطبع لو امتلك حرية التفكير وقوة الأرادة . في هذا الكتاب يؤكد داوكنز أنه من المستحيل أن يكون هناك خالق فائق القدرة لهذا العالم ، و أن الإيمان بالإله لا يمكن أن يصنف سوى أنه وهم أو خبل ، و هو كما وصفه داوكنز بمثابة اعتقاد كاذب تسلطي في مواجهة شواهد مضادة قوية ، وبهذا يتعاطف مع ملاحظة روبرت بيرسج Robert Pirsig ، التي يقول فيها " أنه عندما يعاني إنسان من أفكار تسلطية يصبح مريضا ،و لكن عندما تعاني مجموعة كبيرة من الناس من تلك الأفكار تصبح دينا ".الخلاف الرئيسي ليس بين خلقيين و تطوريين ،و لكنه بين العقلانية و الغيبية ، العلم يأتي من العقلانية ، أما الدين فهو أكثر أشكال الغيبيات شيوعا ، إن الدين يمكن ان يعيش بدون نظرية الخلق ،و لكن نظرية الخلق لا يمكن ان تعيش بدون الدين .
في البداية يتخيل ريتشارد داوكنز مع المطرب الشهير جون لينون عالما بدون آلهة ، بدون إنتحاريين أو انفجارات 11 سبتمبر ، بدون حروب أهلية في العراق ،ولا تقسيم للهند ، بدون مذابح عرقية في البوسنة ، بدون حروب عربية إسرائيلية ، بدون تقطيع أيدي ولا رجم ولا جرائم شرف ، ولا مبشرين إنجليكانيين يبتزون الناس و يسرقون نقودهم ، يرفض داوكنز موقف اللاأدريين و يراه نوعا من الجبن ، و هو يرى أن فرضية الإله هي فرضية علمية عن الكون ، يجب دراستها نقديا كأي نظرية علمية .
يركز داوكنز في النصف الأول من الكتاب على تأكيد إستحالة وجود إله خالق ، و في باقي الكتاب يتناول مجموعة من القضايا المتصلة بالدين و المنظومة الأخلاقية ، و يتضمن الكتاب 4 رسائل أساسية .
1- يمكن للملحد أن يكون سعيدا ، متزنا ، أخلاقيا ،و يحقق ذاته ثقافيا .
2- تفوق نظرية التطور و غيرها من النظريات العلمية المشابهة ، على وهم التصميم الذكي في تفسير الكون ..
3- المطالبة بعدم تصنيف الأطفال وفقا لدين آبائهم .
4- الإلحاد هو مدعاة للفخر و لا معنى للإعتذار عنه ، فغالبا ما يكون الإلحاد مصحوبا بإستقلالية صحية للعقل ، و إبداع و تفكير بناء ، و إحساس راقي بالأخوة البشرية و المشاركة في مصير الإنسان .
للعرض بقية .

---

"لا أحاول تخيل إلها شخصيا ، تكفيني هذه النشوة التي تنتابني أمام هذا الكون المحكم ، على القدر الذي تسمح لنا به حواسنا البسيطة لتقدير عظمته ". البيرت أينشتين .

فرضية الإله .
يفترض الربانيون أكثر من نموذج من الآلهة ، على سبيل المجاز هناك النموذج الذي قدمه أينشتين ، هذا الإله الأينشتيني هو تعبير عن البهاء و الرقي الكامنين في قوانين الطبيعة ، و في هذا يقول كارل ساجان أنه يعجب كيف لم ينظر الدين إلى العلم و يقول " هذا أفضل كثيرا مما ظننت " ، إن رجل العلم الحقيقي ينظر إلى الكون بنظرة مفعمة بالنشوة العارمة و بروح القداسة ، هذا بالطبع يختلف عن الإله الذي تبشر به الأديان الإبراهيمية الشائعة ، الإله الصانع الواجب التوجه له بالعبادة أو الإله الشخصي ، وهو إله يرفضه أينشتين و غيره من العلماء الكبار كلية ، كنوع من المعتقدات البالية . يلجأ بعض الإلاهيون إلى إقتناص عبارات لكبار العلماء و يعزلونها عن سياقها كي تدلل على إيمان هؤلاء العلماء بوجود إلاه كما يرونه ، وهذا حدث مع أينشتين و ستيفن هوكنج و غيرهما ،و في هذا يقول أينشتين أنه مؤمن بعدم الإيمان ، لم ينسب داروين للطبيعة هدفا أو دورا أو أي شيء يمكن فهمه بشكل سرمدي دائم ، و ما يراه في الطبيعة هو بناء مدهش ، و نحن نفهمه بشكل ناقص في أحسن الأحوال ،وهو يقول بوضوح أن فكرة الإله الشخصي هي فكرة غريبة عنه ، بل يراها فكرة ساذجة أيضا .
دعاة الأديان يفترضون أن كل من يبدي اعجابا بالكون و عظمته سيكون مؤمنا بالضرورة ، على النقيض من ذلك يشرح جوليان باجيني التزام الملحد بالطبيعة بجملة بسيطة " ما يؤمن به غالبية الملحدون هو أنه بالرغم من أن الكون مادي بحت ،فإن العقل و الجمال و العواطف و القيم الأخلاقية ، و باختصار كل ما في سلسلة الظواهر التي تعطي الحياة الإنسانية قيمتها ، قد انبثقت من هذا الكون المادي . " ، الملحد لا يؤمن بشيء وراء العالم الطبيعي ، ليس هناك خالق ما وراء الطبيعة ، ليس هناك روح تبقى بعد بلاء الجسد ولا معجزات ، هناك فقط أشياء لم نفهمها بعد ،و سيمكننا بالعلم و استخدام قوانين الطبيعة فهمها لاحقا ، على النقيض من ذلك فالمؤمن هو الذي يفكر بأن هناك إله خالق ذكي ، بالإضافة إلى خلق الكون ، يشرف على إحداث كل شيء و يتدخل في شؤون ما خلق ، وهو يفعل ذلك بشكل حميمي ، فيستجيب للدعاء و يغفر الأخطاء ،و يقوم بالمعجزات و يلهو بقوانين الطبيعة متى شاء ، الرباني أيضا يؤمن بالخالق الذكي ،و لكن نشاطاته محصورة بصناعة و ضبط قوانين الكون ، ثم لا يتدخل بعد ذلك في شيء ، أما الطبيعي فلا يؤمن بالإله الغيبي على الإطلاق ،و يطلق لفظ الإله على الطبيعة ،أو الكون و القوانين التي يعمل بها .
تميز الملحدين .
و يشير داوكنز إلى التمييز ضد غير المتدينيين ( الملحدين atheistو اللاأدريين agnostic) بشكل مبالغ فيه ، حتى في بعض المجتمعات الغربية ، خاصة في المجتمع الأمريكي ، وهو يسوق في ذلك استطلاع للرأي أجري في الولايات المتحدة عام 1999 ، لإنتخاب شخص بمواصفات معينة لمنصب جكومي مع افتراض الكفاءة فيه ، فكانت النتائج : 95% ، إذا كان الشخص إمرأة ،94% إذا كان الشخص كاثوليكي ، 92% إذا كان يهوديا ، 79% إذا كان مثليا او مرمون ، 49% إذا كان ملحدا ، هذا بالرغم من وجود أغلبية ساحقة من غير الملحدين بين كبار العلماء و المثقفين ، وهو يشير إلى أن 93% من أعضاء الأكاديمية الوطنية للعلوم في أمريكا National Academy of Sciences من الملحدين ،و هناك نسبة تفوق ذلك في الجمعية الملكية البريطانية ،و هي تناظر الأكاديمية الوطنية الأمريكية . هناك علاقة عكسية بين الذكاء و الإيمان ، فمن 43 دراسة أجريت منذ 1927 دلت النتائج في كل التجارب باستثناء 4 فقط أن معدل الذكاء أو مستوى التعليم يتناسب عكسيا مع درجة الإيمان، فكلما إزداد الذكاء أو ارتفع مستوى التعليم كان الإنسان أميل لعدم الإيمان .