عزيزي الفرد المتميز

لا يوجد ضبابية في طرحي لأنني لم أطرح مشروعا، ولا أظن أني سأطرح أي مشروع خلال السبع سنوات القادمة على الأقل، وأنا صريح بهذا..

ابتداء ليس الإسلام حزورة لا يمكن حلها، ولا يمكن أن يكون التاريخ هو مصدر الإسلام حيث أن الإسلام نفسه يرفض أن يكون مرجعيته التاريخ، مرجعية الإسلام هي في نصوصه الموجودة في القرآن والسنة، منها نعرف ما هو الإسلام، ومنها نعرف إن وجد في الدنيا أو لا، ومنها نعرف، وهو المهم بنظري إن كان الإسلام موجودا في حياتنا اليوم أم لا.
الدول القائمة في العالم الإسلامي لا يزعم منها أنه دولة إسلامية ما خلا السعودية وإيران ونظام طالبان الحاكم سابقا في أفغانستان، والسودان في فترة ما.. فكيف ننسب إلى الجمهورية المصرية أنها تحكم بالإسلام وهي نفسها ترفض هذا الإتهام.
عزيزي، لا أدعوكم لشراء مشروعي، ولا لشراء سمك في البحر، كل ما هنالك أدعوكم لطرح مشروعكم، وأعد أنني سأدعمه إن ثبت لي أنه مشروع يؤدي لنهضة الأمة، بغض النظر عن الدين، لكنني لا أجد لدى طروحاتكم أي شيء مفيد للأمة، وليس من فحوى لذلك المشروع إلا الهجوم على تاريخ الأمة، وعلى فريق منها ممن يخالفكم الطرح الأيدولوجي، على أن الفريق الآخر ليس بخير منكم، هم يدعون لتقديس التاريخ فيما أنتم ترفضونه بجملته، إلا من رحم ربي من كليكما، وكلاكما كلما دخلت أمة لعنت أختها، يعني لا جديد، كطاعن ردفه ليقتل نفسه.

عزيزي، حين ندعوكم لطرح ما لديكم من أفكار، فليس لنطأطئ رؤوسنا تجاهها، بل إن مجرد طرحكم لها لا يعني بالضرورة صحتها، وحيث أن الإسلام ليس بمطروح في هذه العجالة، فلن يفيد تبادل الردح من قبيل "التجربة العالمانية فاشلة، بل تلكم الإسلامية"، ليس الإسلام بمطروح على الطاولة الآن، بل مشروعا عربيا ديمقراطيا عالمانيا، على افتراض وجود المشروع، وهو المطلوب نقده حيث أنه مقدم لتحريك الأمة على أساسه. حين نضع الإسلام على الطاولة كمشروع فليقم منكم من يريد بنقاش ما يريد.

الاختلاف الأصولي بين النظريتين العالمانية والإسلامية يحيل أن ينقدا بنفس الطريقة، ذلك أن نقد من اعتمد الإنسان أصلا لوضع قواعد السلوك يغاير نقد من اعتمد موجد الإنسان أصلا لوضع قواعد السلوك، فيلزم من الأولى الإقرار بنقص الإنسان وعجزه وتأثره بالهوى والشهوات، ويلزم من الثانية الإقرار بكمال الموجد وتنزهه عن النقائص. وحيث أننا لا ندعو هنا للإيمان بالخالق المدبر كقاعدة يبنى عليها السلوك، فليست أصول الإسلام محل البحث... بل هي أصول العالمانية المبنية على العالم والإنسان بقدراته المعروفة لدينا ونقائصه الواضحة عندنا جميعا.

عزيزي، حين طرحت الجمهورية الفرنسية مثال لم أطرحه عن أنظمة الحكم، بل كان مثالا استنكاريا لكل من اعتبر الدولة الإسلامية هي الدولة التي تطبق نظام العقوبات الإسلامي... إذ لو صح أن تكون الدولة الإسلامية هي تلكم الدولة التي تقطع أيادي السارقين وتجلد الزناة، لوجب أن تكون الدول العربية بمعظمها نسخا عن الجمهورية الفرنسية إذ أنها تطبق نظام العقوبات الفرنسي.. أما والحال ليس كذلك، لا يقال عن السعودية دولة إسلامية لأنها تطبق نظام عقوبات يزعمون أنه إسلامي، كما لا يقال عن سوريا أنها نسخة من الجمهورية الفرنسية لأنها تطبق نظام العقوبات الفرنسي، لأن نظام العقوبات بصراحة ليس هو نظام الحكم، ولا هو نظام الحياة العام في الدولة، وليس إلا مؤيدا تشريعيا لدولة طويلة عريضة.

الدول التي تتخذ الإسلام شعارا معروفة، وأحكام الإسلام المستنبطة من الكتاب والسنة أيضا معروفة، وباستطاعة أي قاض مبتدئ أن يقيس هذا على ذاك، فيخرج بنتيجة بسيطة أن هذه الدول لا علاقة لها بالإسلام، ولا علاقة للإسلام بها، وهذا ليس بمدح ولا ذم، بل هو وصف لواقع الحال، قد تكون دولا دينية، لكنها ليست دولا إسلامية بحال. أعني إيران والسعودية وما شابههما.

عزيزي الفرد المتميز،

لا مشروع لدي سيطرح قريبا، بل أدعوك وغيرك من العالمانيين العرب، والليبراليين العرب، أن تتقدموا وتطرحوا مشروعا مفيدا غير مستند على قتال طواحين الهواء، فنقدكم للإسلام الغائب، وغياب النقد المفيد لوقائع المجتمع ومشاكله المتجددة، وتعليق كل المشاكل على غائب، وتعليق كل الحلول على منتظر، هو أمر لا يخالفكم فيه الإسلاميون بصراحة، كل ينتظر مخلصه، وكل يضع الذنب على غيره، ولا مشروع مفيد لكلا الطرفين.

اطرحوا مشروعكم وسأنقده، وحين يتحرك تحركا جادا مفيدا للأمة سأضحي من أجله حتى يصل، سيان أقتنعت به أم لا، لكني واثق كل الثقة أنه لا مشروع لدى كليكما، ولا تضحية تلزم مني لكلا المشروعين المفقودين، وسيطول انتظاري قبل رؤيتي مشروع يمكن العمل معه وفيه لإنقاذ الأمة مما هي فيه.

رؤيتي لفشل العالمانيين العرب قياسا على فشل الاشتراكيين العرب ليس سببه عيب في الفكرة ذاتها، وإن كانت معيوبة برأيي لكن ليس لحد الفشل المطلق، رؤيتي هذه تنبع من سلوك القائمين على الفكرة من أبناء جلدتنا، إذ يصرون على الإستيراد بمنطق حماميز الله، والقطيعة مع الأمة وماضيها، مع الإستعلاء عليها وجعل أنفسهم طبقات متميزة.. هذه المعايير تفشل أي تكتل فكري، سواء منها ما قام على الإسلام أم غيره. الإسلاميون في الساحة يختلفون في أمرهم بعدم القطيعة مع الأمة وماضيها، لكنهم يستوردون كما تستوردون، ويستعلون على الأمة كما تستعلون، لذلك شاركوكم بالفشل وانفردوا بحب الأمة إلى حد ما، حتى أمد قريب حينها سنرى الأمة تلفظ الجميع وأتمنى حينها أن لا تيأس الأمة من حل فتنقرض.

سأعود لنقاش مداخلة "أبو نواس" ليلا.