التشبيه مختلف يا آورفي العزيز

إذ أن الشعب الروسي نشأ نتيجة ظروف تاريخية وتمدد وترعرع بقواه الذاتية، وكذلك مفظم الشعوب الموجودة في أوربا الشرقية هي شعوب معروفة باسمها قبل إنشاء دولها، وقد نشأت طبيعيا. فيكون وجود الروس في دولهم أمرا غير طبيعي يتطلب موافقتهم.

إلا أن ما يسمى بالشعب اللبناني والشعب السوري لم ينشآ طبيعيا، فقبل الحرب العالمية الأولى لم يكن كلا المصطلحين كشعب موجود، ثم تم إنشاء دول ما بقرار دولي، وألحقت الشعوب بهذه الدول إلحاقا بقرار دولي تم تفصيله في سان ريمو وفي أروقة عصبة الأمم.
والتقادم لا يلغي هذه الحقيقة، ولا يجعل تكون الشعبين طبيعيا، ولا مرضيا من قبل الأكثرية، إذ لم يستفت الناس لا في حينها ولا الآن بهذا.

حقيقة وجود شيء يسمى الشعب اللبناني هي مغالطة لا تقل عن حقيقة وجود الشعب السوري، ولا عن حقيقة وجود كياناتهم متشتتة منفصلة.
لم لا تطرح "المعارضة الديمقراطية" في لبنان أن تستفت الشعب ديمقراطيا حول رأيه بوجود القوات السورية أو ضم سوريا ولبنان سوية؟ ولا ما بتثق "المعارضة الديمقراطية" برأي الأكثرية "العبيطة والهبلة".

وإن كانوا يرون أن الديمقراطية هي حكر على "النخبة"، فلم لا يصرحون بهذا ويريحونا من التجويح والتنويح بدموع التماسيح على الإنسان وحقوقه؟
على ما يبدو أن لبعض الناس حقوقا أكثر حسب المعيار "الديمقراطي".

والله احترنا، في الجزائر خين اختارت الأغلبية الجبهة الإسلامية للإنقاذ(مع تحفظنا على الجبهة) على غير تزوير وغير تدليس، صودر قرار الأغلبية، ونسينا هذا وصرنا نتهم الجماعة بالإرهاب. نسينا أن الإرهابي الأول هو من صادر قرار الأكثرية بادئ ذي بدئ، واليوم حين تخرج المعارضة "الديقراطية" وتعتصم بدماء الحريري قرب البرلمان وتسقط الحكومة، نحيي هذه المعارضة "الديمقراطية". وحين يخرج حزب الله مؤيديه لتظاهرة معاكسة، نتهم هؤلاء المؤيدين إنهم جماعة مخدرين وهبل ومقودين بالعاطفة الحمقاء الهبلة. ونجردهم من إرادتهم التي عبروا عنها، بل نصادر إرادتهم.
نفرض جدلا أن كل الذين خرجوا في مظاهرة حزب الله هم أعضاء في الحزب، هذا يقتضي أن يتنازل لحود فورا عن رئاسة الجمعورية لنصرالله، إذ أن أغلبية الناس أعضاء في حزبه. وعلى أقل تعديل يعطيه رئاسة الوزراء.
أما إن فرضنا أن القوم مؤيدين، فلا نعلم أن مخدرا يجعل المرء مؤيدا إلا قناعته الذاتية، ولا نعلم أن الذي يخالفنا يكون من معه غنم، ومن يوافقنا يكون ديمقراطيا حرا. وهذا يقتضي أن نباشر حل المشكلة اللبنانية خلا جذريا، ذلك أن الظروف الدولية من انتداب وعصبة أمم قد اختفت، فلا داعي للتشنج ولنطرح بكل شجاعة استفتاء على اللبنانيين لنعلم إن كانوا يرغبون أن ينتهوا من هذا الكيان الطائفي البحت.

كل ما سبق لا يعني بالضرورة أنني أدعو أحدا إلى البقاء تحت نظام الحكم السوري، ذلك أن تغيير نظام الحكم السري لا علاقة له بإبقاء الكيان الطائفي اللبناني!