“Prejudices are what fools use for reason.” Voltaire

"التعصب هو عقل المغفلين " فولتير .

كل ما حاولته هو التأكيد أنه لا يمكن أن نحكم على المنظومات الدينية بمعايير موضوعية من خارجها . فهي لا تنتمي للعالم الفيزيائي الذي يخضع للعلم ، و لكنها ذات طبيعة ميتافيزيقية ، و معرفتنا عنها هو نوع من الحدس أو الوحي - وكل تلك المعارف إذا جاز تسميتها بذلك - غير علمية ، فكل ما لا يقبل النقد و الرد غير علمي بالتعريف ،و بالتالي فمبدأ داوكنز في إخضاع فكرة وجود الإله للفحص العلمي ستبدوا غير علمية ، و قد شعر داوكنز بالفعل بذلك التناقض بينه و بين الوضعية النقدية ( التجريبية ) ،و لكنه كان موقنا أنه يملك منهجا للتعامل مع تلك القضية بنظرية الإحتمالات كما طرح في كتابه . ورغم أني أوضحت فكرة داوكنز في المداخلات السابقة بدافع الأمانة العلمية ، إلا أني مازلت أميل لفكر الوضعيين .
العلم كما نراه – كوضعيين- ببساطة لا يسلم بخلق الله العالم ولا يعارضه ، هو ببساطة لا يحفل ، لأنه أكثرنا تواضعا و معرفة بقدراته و ليس مثلنا يعرف كل شيء !. ما نراه هو .. طالما تيقنا أن الأداة التي نملكها و هي العقل قاصرة بالطبيعة عن معالجة المشكلة ، فلا نحاول التعامل معها بكل بساطة ،ولو حاولنا كنا مجرد حمقى . حسنا لنفرض أنك تريد أن تشوي لحما و لكنك لا تملك سوى ثلاجة ، فهل تصر على استخدامها للشواء لمجرد أنها ثلاجة ممتازة ؟.الحل كما أراه أنه طالما من المستحيل شوي اللحم ، فانس الموضوع برمته و فكر فقط بالمثلجات !!.
إننا -عكس داوكنز- نرفض أن نخضع المقولات الدينية -كنظرية الخلق- للفحص العقلي لأنها علميا لا تعدو كونها لغوا . فقط يمكننا أن نراها نوعا من الذوق أو الحدس أو الإلهام أو أي شئ آخر خارج مجال العقل و المنطق . أما لو حللنا كل المقولات الميتافيزيقية و في قلبها الفلسفات الدينية فلن تصمد لأي فحص جاد ،و تلك العبارة هي جوهر مداخلاتي في هذا الموضوع .
1- ألفنا أن يكون الخبر إما صوابا أو خطئا ،و لكن هناك حكما ثالثا أن يكون بلا معنى ، و هناك فرق بين الكلام الخطأ الذي يرسم لنا صورة و لكنها غير صحيحة ،و بين الكلام الفارغ الذي لا يرسم لنا أي صورة .
2- كي يمكنا الحكم على القضية بكونها صوابا او خطئا لابد ان ترسم صورة ما ، وذلك بأن تكون كل كلمة لها معناها الخاص المعلوم ،و أن يكون هناك اتفاق عام حول مدلول الكلمات البنائية مثل ( إن ، في ، هناك .....الخ ) ، أيضا أن تكون جميعا في سياقها الصحيح ، أي أن تكون منطقية مع ذاتها .
3- إن الكلمات و العبارات التي تتكون منها اللغة ، هي رموز اصطلح الناس على استخدامها بطريقة معينة ليتم بها التفاهم ،ولو استخدمت بشكل مغاير فإنها لا تؤدي ما ابتكرت من أجله ، أي صارت لغوا .إن الكلام لا يكون مفهوما لدى السامع سوى عندما يستطيع أن يتصور طريقة لتحقيقه لو أراد .
4- إنني مثل فاينبرج فيلسوف الوضعية المنطقية أن :" كل عبارة ميتافيزيقية ( و منها المقولات الدينية ) هي إما مشتملة على كلمة أو اكثر لم يتفق الناس على مدلولها المحسوس ، أو مكونة من كلمات متفق عليها و لكنها في غير سياقها الذي يفيد معناها ، و إذا فالعبارات الميتافيزيقية فارغة من المعنى ". بمعنى أنه لا يمكن عقليا نفيها أو إقرارها .
5- يمكنني أن أختار ما شئت من الكتب المقدسة كمثال ،و لكني و حتى لا يشعر أحد من الزملاء بالاستهداف ، فسوف أطبق تلك القضية على مقولات شائعة مثل أن يقول أحدهم : (أن الله هو الذي خلق العالم وهو الذي يغيره ) ، نفهم أن هناك ما يسمى الله و أنه صنع العالم المحسوس من العدم و أنه ما زال يغير هذا العالم ،و لكنه ثابت لا يتغير . حسنا لو سألنا وما هو الله ، لأجاب هو المطلق الذي لا يحده زمان أو مكان وهو قادر قدرة غير محدودة في إمكانياتها . حسنا و كيف أدركت الله وهو مطلق غير محدود ، بينما شرط المعرفة هو أن يكون المعرف محدود بزمانه و مكانه ؟.فغير المحدود غير موجود . هل لك حواس ليست لنا ؟.سيجيب :" الأمر ليس إدراكا بالحواس بل بالحدس أو العيان العقلي المباشر ، حسنا و لكنك تحدثني باللغة التي أعرفها أنا ، وفي هذه اللغة لا يوجد شيء محسوس اسمه الحدس . وما تقوله هو لغو ربما ذا جرس و لكنه خلو من المعنى .
6- يمنك أن تختار أنت ما تشاء و تخضعها لنفس التحليل الفلسفي ودعنا نرى النتيجة .

إن النص الديني – أي نص ديني - ليس مرجعا علميا ، ووجود نص ديني حول الخلق لا معنى له سوى لمعتنقي نفس الدين ، كذلك المصير بعد الموت ، فهو مختلف في النصوص الكتابية بعضها البعض ،و أشد اختلافا مع الأديان الشرقية الأسيوية مثلا . الجنة هي ثواب القاتل في سبيل الله عند المسلم ،و لكن هذا القتل و حتى من أجل إله يستحق العقاب الشديد عند الجاني ( العقيدة الجانية في الهند ) الذي يقدس حتى حياة الأفاعي و الميكروبات ، و هم مثل الهندوس ينظرون إلى العالم بمثابة عجلة تدور معها الولادة والوفاة إلى أبد الآبدين ، أما الحقيقة الدائمة فهي الروح التي تقع في شرك هذه العجلة ،و لهذا فالسؤال المحوري في الهندوسية ليس كيفية الوصول إلى النعيم ، بل كيف تتخلص الروح من شرك هذه العجلة ، و الإجابة الوحيدة عندهم هي استنزاف الروح لعقيدتي الكارما ( الأعمال الصالحة ) و السمسارا ( تناسخ الأرواح ) ثم الخلاص النهائي ( الموكاشا ) عن طريق أداء الواجب ( دارما ) لكل دور من دورات تناسخ روحه في عجلة الحياة ، بل لو كان دور الإنسان أن يكون لصا أو مومسا فانه يثاب بقدر إخلاصه و تفانيه في أداء عمله .
فهل نرى الآن أن تلك النصوص الدينية المتناقضة لا يمكنها سوى أن تعطينا فكرة غائمة عن مصيرنا في عالم آخر افتراضي لا يختلف كثيرا في واقعيته عن عالم الإنترنت ؟.
من يبحث عن الله و الخلق و النعيم في المنطق لن يجد شيئا ، و لكن لماذا لا تبحث عنهما في الفن ، الموضوع ليس ما هو الصحيح و ما هو الخطأ و إلا لاستحالت الإجابة كما ترى ، و لكن الفن هو جمال و قبح ،و تلك أحاسيس و تذوق و هناك ستجد الله و النعيم ، هناك يمكنك أن تطرح ما تشاء و تنعم بما تريد ، بعيدا عن معايير المنطق الصارمة و ضوابط العلم التي تغضب رواد المنتديات !.
مع الفن لن يأتي إليك إيمانويل كانت باستحالته التجريبية ولا لوك وباركلي و هيوم و راسل باستحالتهم المنطقية . ستجد المزامير المخدرة و الآيات المشرقة و الأدعية المطمئنة .