14 آذار والغيابات الثلاثة

لم تكن الذريعة أو الحجة الرسمية، التي اتخذها عدم حضور الرئيس الحريري والتي أشاعها عدد من أفرقاء الرابع عشر من آذار حول موضوع سفره الى برلين بالكافية، ذلك ان السفر كان عند الساعة الثانية من بعد ظهر يوم الأحد، أي كان بامكانه عدم التخلف عن مؤتمر الرابع عشر من آذار لو شاء. أما الرئيس أمين الجميل فقد ترجم تحفظه من أداء الأمانة العامة لقوى 14 آذار، وكان الاعتراض على آلية العمل القائمة الآن، والتي تطرق لها في حديث إلى تلفزيون الجديد، بالتخلف عن الحضور.

اللافت في غياب الحريري ما يمكن ان يؤشر إلى عزم الرجل على حسم خياراته اتجاه العلاقة مع سورية، الأمر الذي يضعه أمام خيارين إما البقاء في حلفه مع من يكن العداء لسورية من الاكثريين، او الاستدارة باتجاه تحالف متين مع الجار السوري يشابه بقوته ذلك التحالف مع المملكة العربية السعودية، وهو ما ترجم بإصراره على نقل الاحتفال بالذكرى الخامسة لانطلاق الرابع عشر من آذار من البيال إلى البريستول في خطوة قرأت بأن المطلوب عدم إثارة او استفزاز الجار السوري. وما سيترجم لاحقا بالزيارة المقررة للحريري الى سورية بعدما يقرب الاسبوعين من الان. اما في غياب الرئيس امين الجميل ما يظهر نوع من الخلاف على المستوى الاكثري المسيحي، ما يسير به إلى طريق مقابلة لطريق سمير جعجع باتجاه أقرب إلى الطريق الذي سلكه الحريري.

أما مشهد الغياب الجنبلاطي كان صادحا، اذ اتخذ بعد المناقض لتوجهات تجمع الرابع عشر من آذار، بخاصة بعد المواقف التي اطلقها عشية المؤتمر على فضائية الجزيرة، إذ ان فعل الندامة الذي أطلقه ألقى بظلاله على الحاضرين في لقاء البريستول، ففعل الندامة هذا كان تعبيرا عن التبرؤ من مشاركاته السابقة في هذا اللقاء، وبالمقابل فلم يتمكن المؤتمرون من نيل أي مكسب سياسي بل على العكس فإن مواقف جنبلاط أوحت بان تحالفاته السياسية والانتخابية المستقبلية لن تكون باي شكل من الاشكال كما كانت في السابق، وبالتالي فان على حلفائه السابقين التفكير بخط سير جديد. ولم يعد بالخافي ان جنبلاط قد قطع ثلثي الطريق باتجاه دمشق عبر بوابة حزب الله.

عموما عقدت 14 آذار مؤتمرها الخامس بغياب الرئيسين سعد الحريري وأمين الجميل، فضلا عن النائب وليد جنبلاط وعدد من القيادات، وحضور رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع والرئيس فؤاد السنيورة، بالاضافة الى مشاركين من الصف السياسي والقيادي الثاني. في مشهد أسس لخلل واضح وجلي في صفوف الاكثريين، انعكس بإلغاء جعجع لمؤتمره الصحفي المقرر على هامش اللقاء ما أوحى بأن الارباك الذي غطى هذا التجمع كان أكبر من امكانية التغطية عليه.

يبقى ان ما صدر من مواقف، وما تضمنه البيان الختامي كان يمثل أقصى الممكن للحفاظ على الحد الادنى من شكل تجمع الرابع عشر من آذار، لكن يبقى السؤال برسم ما بقي من الاكثريين: ما الذي تفعله الماشطة مع ما أفسد الدهر.