4- شجرة الحياة وشجرة المعرفة
![[صورة: 0158-7.gif]](http://www.alzakera.eu/music/vetenskap/Historia/babel/0158-7.gif)
[Hathor or Isis as the Tree of Life suckling Tuthmosis III; c. 1479-1425 BC. Tomb of Tuthmosis III, Valley of the Kings]
شجرة الحياة كانت احدى الصور الاساسية للربة الخالقة نفسها تعكس جميع اطياف الصورة. النباتات على سطح الارض، وجذورها المنغرسة في التربة وفروعها المتوجهة نحو السماء كانت الشجرة هي الوحدة التي توحد الارض وعالم ماتحت الارض بالسماء، ومن خلالها تدفق الفيض الالهي لتنشأ دورة الخلق الدائم على الارض. القوة الروحية التي كانت تسري في الشجرة لتقدم الحياة كانت هي الحية، وهي ذاتها حارسة الثمار وحارسة الحياة. وعلى الرغم من ان الرواية الاسلامية لم تتمكن من فهم الرمزية التي تقف خلف الصورة، انطلاقا من منطق التجسيد الحرفي الطاغي، مما دعاها الى تبديل الحية بالشيطان، إلا انها حافظت على الوظائف وفوضت امرهم الى ملائكة.
![[صورة: 0158-8.gif]](http://www.alzakera.eu/music/vetenskap/Historia/babel/0158-8.gif)
[Hathor, Isis or Nut as the Tree of Life offering the water of eternal life to the deceased; vignette from a Book of the Dead, Twenty-first Dynasty, c. 1000 BC]
في الشرق القديم، مثل مصر وكريتيا واليونان نجد ان الشجرة كان يجري زرعها في المعابد وعلى الاخص التين والزيتون والنخيل والتفاح والجميز. في مصر كانت الربات ايسيس وهازار معروفتان بإسم " ربة الجميز"، وعصائر الفواكه كانت تعتبر كشرب الحليب من ثدي المرأة كما نرى في الصورة المرسومة في المعابد.
![[صورة: 0089-2-1.gif]](http://www.alzakera.eu/music/vetenskap/Historia/babel/0089-2-1.gif)
[Gudea of Lagash]
في القرن الحادي عشر قبل الميلاد نجد صور للربة هازار او نوت او ايسيس وهي تعكس شجرة الربة التي تقدم الطعام والشراب. شجرة الحياة كانت لها ايضا علاقة بالحية (او التنين كحية لها عدة رؤس)، وذلك قبل الف سنة من كتابة قصة الخلق التوراتية. عام 2025 قبل الميلاد وعلى كأس من العهد السومري للملك Gudea of Lagash نرى تنينين يقومون بإبقاء الممر مفتوحاً الى منظر شجرة الحياة (الحية). هنا يكون Ningizzida وهو احد اسماء قرين الربة الام، والذي يحمل صفة: "رب شجرة المعرفة، على شكل مزدوج ومتناظر، وهو رب ماتحت الارض ويسمى في الاغريقية القدوس caduceus"، ويعتبره البعض الشخصية التي تحولت الى شيطان في الميثالوجيا العبرية.
في الاسطورة الاغريقية التي تعود الى اعوام مابين 700-500 قبل االميلاد يجري التحدث عن شجرة تفاح ذهبية يملكها the Hesperides. هذه الشجرة تنمو عند طرف العالم في البلاد التي تغيب فيها الشمس، والشجرة كانت هدية الى هيرا Hera بمناسبة زواجه، وقد وضع التنين العظيم لحراستها. الهيسبيريديين كانوا حوريات من بنات الربة Night, يظهرون مع الجرار الممتلئة بمياه الحياة القادمة من الشجرة المقدسة. وهنا ايضا توجد افعى كبيرة تحرس الشجرة وأفعتين متشابكتين مصل عصى ذهبية ترمز للتحول من هيرميس وهو الاله القادر على تخطى العتبة بين الموت والحياة، في حين ان احد الثعابين يعود للاله Asclepius, وهو إله الشفاء.
![[صورة: 0158-9.gif]](http://www.alzakera.eu/music/vetenskap/Historia/babel/0158-9.gif)
[The Golden Apple Tree of the Hesperides; vase painting, c.700-400]
وكما نرى فإن الحية تملك معاني متتداخلة، فهي حارسة الشجرة المقدسة وقوة الحياة في دورتها المتصاعدة او الهابطة وهي قرين الربة إضافة الى انها طيف الحياة والموت في المبادئ الازلية للشجرة المقدسة نفسها. حسب المرحلة التي يراد عكسها يمكن ان تكون الابن-االعشيق المولود من الشجرة (مثل ادونيس)، او الحي فيها (مثل تموز) او المدفون فيها (مثل اوسيريس في نعشها من خشب الارز). السومريين في اريدو تكلموا عن شجرة رائعة لها جذور من الكريستال الابيض " تمتد عميقا حيث مقرها له مكانة مركزية، وحيث اوراقها اريكة للام الاولى وفي وسط كل ذلك كان هناك تموز". بهذا يكون الموت جزء من طقس الولادة، غير قادر على منع العودة الى الحياة، بدرجة قريبة من مفهوم التقمص الهندوسي او الدرزي اليوم.
على هذه الخلفية، إذا رجعنا الى قصة الخلق التوراتية، نجد ان آدم وحواء لم يكتشفوا ماء الحياة وانما اكتشفوا انهم عراة مما جعلهم يضطرون لوضع اوراق الشجرة على عورتهم، هذه الشجرة ذات الاوراق الكبيرة من الاقرب ان تكون شجرة التين المذكورة في القرآن وهي ذات الشجرة التي كانت مقدسة في معابد الربة عشيرة Asherah في كنعان. وفي مصر وجزيرة كريتا. فقط في العصور الوسطى، عندما اصبح هناك توراة باللغة اللاتينية، بدأ ينمو عادة الاعتقاد ان شجرة المعرفة كانت شجرة تفاح على إعتبار انها جزء من لعبة لغوية. كلمة التفاح في اللاتينية هي malus وهي تملك الجذر نفسه مع كلمة الشر malum.
في شمال بابل كانت ربة شجرة الحياة تسمى " سيدة عدن" في حين كانت تسمى في الشمال " Lady of the Vine", وهو تبديل بالاسماء يمكن تفهمه، على إعتبار ان الرمز السومري الذي كان يرمز للحياة في الاصل كان ورقة عنب. (10)، وعلى كل الاحوال، في اسطورة عدن، حيث لم يكن هناك صورة كاملة لربة واحدة، لم يعد يوجد ايضا شجرة واحدة وانما شجرتين (في الرواية التوراتية)، او يمكن القول ان شجرة واحدة اصبحت شجرتين، والان الثمار من كلا الشجرتين اصبحتا محرمات. في الاسطورة الاصلية كانت احدى الشجرتين تقدم المعرفة والحياة او الحكمة والخلود. في التوراة يصبح الخير والشر متفرقان ومنعزلان عن الخلود، بحيث نشأت مفاهيم بسيطة ومنعزلة بدلا عن وحدة الاضداد. لذلك نجد ان الصورة التوراتية تقدم لنا شجرة واحدة تقف في المركز، كما كان الامر في الرواية السومرية، في حين ان الرواية المكتوبة تفصلهم الى شجرتين: " ومن الارض جعل يهوة بالامكان لكل شجرة ان تنمو لتصبح متعة للناظر، شجرة الحياة في منتصف الحديقة، وشجرة المعرفة بالخير والشر. (Gen. 2-:9) في الاسلام لم يبقى لهذا التناقض اي مكان إذ ان الاسلام قضى على الصورة ولم يفهم التجريد لصالح التجسيد، لتصبح الحياة والمعرفة يأتيان من الله مباشرة، فهو الذي علم آدم الاسماء كلها، وهو الذي يهدي ويضل، راجع الحاشية رقم 2.
وتستمر القصة الابراهيمة تضع الشجرة في المركز إذ تقول حواء للحية:" وبسبب الخوف من الشجرة التي في منتصف الحديقة، يقول الرب لايجوز لكم الاكل منها، ولايجوز لكم لمسها حتى لاتموتوا" (Gen 3:3). هنا نرى ان الشجرة كانت شجرة الحياة، المنفصلة عن شجرة المعرفة، مما يعطي يهوة الفرصة ان لايمنحهم الابدية قبل ان يظيقهم طعم شجرة المعرفة (الحق والضلال). هذا الامر نجده واضحا في النص الاسلامي الذي يشير الى ان هدف الخلق منذ اللحظات الاولى كان لإنزالهم الى الارض، الامر الذي احتاج الى سيناريو الخطيئة لتبرير نزعهم من الجنة وتحميلهم المسؤولية وإطلاق التجربة، مستغلا حب الاطلاع في الفطري لدى الانسان الذي كان جهولاً، وهو جهل لم يمنع الله من عرض الامانة عليه. (راجع الحاشية رقم ثلاثة).
بهذا يمكن القول انه فقط عندما يتذوقون من شجرة المعرفة يفقدون شجرة الخلود، ويصبح بالامكان استخدام الرغبة بالعودة الى الخلود كجزرة. وعلى الرغم من ان هذا المنطق واضح، الا انه منطق بدائي ، إذ من الصعب تصور ان شجرة المعرفة يمكن وضعها بالتضاد من شجرة الخلود، ليصبح ثمن الخلود هو التخلي عن رغبة حب الاطلاع والسعي للكشف عن المجهول، لينتهي الامر الى تجربة تفصل بين الذي تم كسر شوكة حب الاطلاع لديه وبين من بقي انساناً ليفقد بذلك طمأنينته الى الابد كعقوبة. ولكن الامر كذلك في جميع انواع الدوجما التي لاتحتاج الى منطق.
5- الحية
يتبع..